في موجة القنوات التافهه والتفاهة التي تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي أسسنا قناة التاريخ الذي لم ندرسه في مدارسنا وهدفنا ان تكون منبر للدفاع عن تاريخنا المجيد شعارنا في القناة إذا اردنا ان نفهم الواقع بوضوح ونخطط للمستقبل بدقة فيجب ان نقرأ التاريخ بعمق
لا هجرة بعد الفتح إنما جهاد ونية!
مصطفى إنشاصي
من شدة عشقي لتاريخ أُمتي قبل وبعد الإسلام وأنه مسيرة متصلة لا تنفصل، وأن حاضرنا مبني على ماضينا، وأننا كأمة أصبحنا خارج الفعل والتأثير عالمياً، ولتغيير واقعنا نحن بحاجة لثقافة التاريخ، الوعي بالتاريخ: دروس وعبر وتجارب لاستعادة ثقتنا بأنفسنا كأمة كانت عظيمة قبل الإسلام وبعده، وأنها منذ فجر تاريخها وفضلها الحضاري والإنساني على العالم لا ينكره إلا جاحد أو جاهل، بل هي أصل كل العلوم والحضارة الإنسانية! لذلك سأكتب عن تاريخنا قبل الإسلام الذي أثاره الغرب لتمزيق وحدتنا بحلة مختلفة عن حلة المستشرقين وتلامذتهم المتغربين في وطننا.
هذا جزء من رسالة كتبتها بتاريخ 2 صفر 1420ه الموافق 17/5/1999م، وأرسلتها لأحد الأصدقاء، أخ تونسي من حزب النهضة تعرفت عليه وغيره تلك الفترة وقويت العلاقة بيننا لدرجة أنه بعد أن هاجر لبريطانيا بقي لمدة طويلة يدعوني بشدة للهجرة لحاقاً به، خاصة وهو شاهد على صعوبة ظروفي والمضايقات التي كنت أتعرض لها من جهات عدة، والمشاكل التي كانت جهة ما تصطنعها لي شبه يومية لإكراهي على الموافقة على ما يريدون، ولا عمل ولا مصدر رزق ولا أقبل مساعدات من أياً كان و... ووضعي القانوني كله غلط في غلط، مرحل من السودان بجواز سفر مزور واسم مزور، وكل تلك المعلومات وصلت للأجهزة الأمنية اليمينة من الأسبوع الأول لوصولي بفضل جهة ما،
وهو يلح عليِّ بالهجرة وموقفي من الهجرة ثابت: بعدم شرعيتها، لا هجرة بعد الفتح إنما جهاد ونية. فكتبت له تلك الرسالة التي توقف بعدها عن إلحاحه! وكنت سأترجمها للغة الإنجليزية لكن لضعف لغتي الإنجليزية وطول الرسالة أرسلتها باللغة العربية. وأسأل الله أن تصل الفكرة التي قد لا أحسن التعبير عنها بكلمات أو مقالة:
عزيزي/ ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تستغرب لأنني أكتب إليك باللغة الإنجليزية رغم عدم إجادتي لها! لكنه الزمن زمن التغير في كل شيء، في الشكل والمضمون، زمن الانكسار والانتكاس، زمن الهزيمة المعنوية والنفسية، زمن التبعية الفكرية والحضارية، زمن فقدان الذات والهوية، وتغير معالم الشخصية، إنه زمن التراجع والانحطاط، زمن التغريب والغُربة، إنه زمن سيادة قيم الحضارة الغربية ونماذجها الحضارية. لذلك أكتب لك بلغتك الجديدة، خوفاً أن تكون قد نسيت لغتك الأم! كما نسيت كثير من الأمور إن لم يكن جميعها، ومنها موقف العداء الغربي المطلق في وعيه ولا وعيه للشرق والإسلام بالتحديد، على الرغم من علمهم أن الإسلام خلاف ما يصورونه لأنفسهم ومواطنيهم. اسمح لي يا صديقي العزيز اصطحابك في جولة سريعة لعلاقة الشرق بالغرب، سواء قبل الإسلام أو بعده، لنرى ماذا نجد فيها؟!
بداية أقول: إن هذا الغرب الذي يرى نفسه اليوم أفضل وأرقى من المسلمين وكل شعوب الأرض، وأنه وحده من له الحق في السيادة على العالم، ويرى أن حضارته فقط التي تستحق أن تسود وتنتصر، وأن السيادة على الأرض هي للرجل الأبيض كما قال الفيلسوف الإنجليزي براند راسل منتصف هذا القرن (العشرين)، ومن قبله المؤرخ توماس أرنولد توينبي بدايات القرن، وفرانسيس فوكوياما الياباني الأصل الأمريكي الجنسية في كتابه "نهاية التاريخ"، واليهودي الأمريكي صموئيل هننغتون في كتابه "صدام أو صراع الحضارات والثقافات" نهاية القرن وغيرهم كثيرين.
إن هذا الغرب على كل ما هو عليه من قوة اليوم لا زال يشعر في أعماقه بالخوف وعقدة النقص والدونية تجاه الشرق، لذلك هو يبالغ في سياسته العدوانية وممارساته الإجرامية ضده وخاصة الوطن الإسلامي منه، عله يستطيع سحقه والقضاء عليه حتى يتخلص من شعور الخوف والدونية لديه الذي يطارده. إن الغرب الذي أصله القارة الأوروبية، هذه القارة بداية من اسمها، انتهاءً بحضارتها مدينة بوجودها للشرق ...
فاسمها كما تروي الأسطورة الأوروبية نفسها في الأصل هو اسم أميرة سورية، فرت من سوريا على إثر صراع حدث بينها وبين أخاها على العرش، وقد فرضت تلك الأميرة سيطرتها على القارة الأوروبية كلها، ولشدة ما كانت تتمتع به من جمال وقوة أطلق اسمها على القارة الأوروبية. أو كما يقول الباحثون الأوربيون أن أصل التسمية يرجع الى الأسطورة اليونانية المأخوذة عن الفينيقيين: أن (أوربا، عوربا، غوربا، اوربا)، أميرة فينيقية، ابنة ملك صور(لبنان)، عندما كانت تتمشى على شاطئ البحر، شاهدها (زيوس، إله اليونان) وانبهر بجمالها، فتنكر على هيئة ثور واختطفها نحو الشواطئ الغربية من البحر المتوسط. وتخليداً لذكرى هذه الأميرة، أطلق الفينيقيون واليونان اسمها على (قارة أوروبا).
وإذا ما تركنا الأسطورة وعدنا إلى حقائق التاريخ، فإن بعض المؤرخين يقول: أن أوروبا مأخوذة من كلمة "الغاربة"، والغاربة في الأصل كلمة عربية تعني الأراضي الواقعة إلى جهة الغرب من بلاد الشام والعراق. أي أن أوروبا في كلتا الحالتين هي كلمة عربية.
أنت ما عندك مشكلة في عقلك، مشكلتك في إصرارك على ما تكتب! (2-2)
مصطفى إنشاصي
أنا لا أكتب للغرب ولا يهمني رأيه، أكتب لأبناء وطني وأمتي، أكتب ما أحسه وألمسه كل يوم من مآسي سياساته ضدنا، أكتب لأبناء المعاناة التي صنعها الغرب وصنعتنا بدورها، أنا ابن النكبة، ابن المعاناة والقهر ولست ابن الغرب، أنا أنتمي لهذه الأمة التي يعادي الغرب فيها إسلامي ويعمل على تدميره!
عندما حضر الدكتور إلى الكلية حدثه الأستاذ الدكتور العميد بطلبي. فقال له: أعطيني مهلة وأرد عليك. وفي طريق عودته للوزارة حاول إقناعي بأن العلاقة مع الغرب وأمريكا ليست علاقة صراع دائماً خاصة في هذا العصر كما قدمتها في الباب الأول، أنها منذ فجر التاريخ وهي علاقة صراع ومازالت. وبقيت مُصراً على موقفي: أن الغرب عدو ولا يمكن أن يكون صديقاً أو حتى محايداً مهما كان إلى أن وصلنا إلى موازاة الشارع الذي يؤدي إلى سكني، وفتحت باب السيارة وأخرجت قدمي من السيارة وهممت بالنزول، وكانت كلماتي الأخيرة:
"دكتور؛ لقد اتفقنا من البداية أن الرسالة رسالتي، وأنا الذي سأكتب وليس أنت" قال: نعم. قلت: وهذا رأي وقناعتي ومقدم على رؤيتي الدليل موثق تاريخياً وواقعياً، اقرأ أولاً ثم إن كان لديك اعتراض منهجي أو توثيقي أو لديك شيء موثق مخالف لِما كتبته أعدل ما كتبت. فقال محاولاً أيضاً إقناعي برؤيته: حتى وإن كنت مقتنعاً بذلك، إلا أنه يتوجب علينا أن نقدم الإسلام للغرب بأسلوب ألطف ونخاطب عقلية الغرب باللين حتى لا يحدث شُك عنده". فقلت له لحظتها بانفعال وحدة:
"أنا لا أكتب للغرب ولا يهمني رأي الغرب موافقته أو رفضه لرأي، أنا أكتب لأبناء وطني وأمتي الذين تجرعوا مرارة العذاب والمعاناة بسبب مؤامرات الغرب التي لا تتوقف ضدهم، أنا أكتب ما أحسه وألمسه كل يوم من مآسي مؤامرات الغرب سياساته ضدنا، أنا أكتب لأبناء المعاناة التي صنعها الغرب وصنعتنا بدورها، أنا ابن النكبة، ابن المعاناة والقهر ولست ابن الغرب، أنا أنتمي لهذ الأمة التي يعادي الغرب فيها إسلامي ويعمل على تدميره، لماذا الغرب لا يحاول هو أن يلطف لهجته عند الحديث عن الإسلام ولا يجاهر بأنه هو العدو الرئيس له"؟!
فقال عبارته التي كان دائماً يقولها لي ولغيري عني: "أنت ما عندك مشكلة في عقلك، مشكلتك في إصرارك على ما تكتب"! فقلت له بهدوء هذه المرة: "يا دكتور أنت عِشت 20 سنة من عمرك في أمريكا وكان الوضع يفرض عليك أن تكون ليناً أثناء حواراتك ونقاشاتك وأنت تقدم الإسلام لهم بعيداً عن روح الصراع وذلك لتؤلف قلوبهم أو تكسبهم، وعندما حضرت هنا لم تستطيع تغيير أسلوبك هذا، أما أنا فلم أعش في الغرب ولكن عِشت هنا، ومن صغري وأنا أتـقلب في المآسي والمصائب والنكبات التي صنعها الغرب لنا، لذلك لا أرى في الغرب الرسمي تحديداً إلا أنه عدو للإسلام"!
فتلى لحظتها قوله تعالى: "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج:40). وعلق قائلاً: إن الصراع هو سنة الله في خلقه وأخذ الأوراق وانطلق".
وبعد قراءتها قال بصيغة الندم لقراءته لها متأخراً: "ليتني قرأتها قبل أسبوعين، كانت أفادتني كثيراً في محاضراتي لطلبة الإعلام والسياسة في جامعة النيلين وخاصة دورة موظفي وزارة الخارجية، المعلومات التي قدمتها كثير منها لم أطلع عليه سابقاً ولم أعرفها من قبل، الموضوع رائع جداً"! ومع أني أشكره على تواضعه لكني أأسف على إضاعة الوقت عليّ، لأنه لو قرأها من أول تقديمي لها ولم يؤخرني أربعة شهور، كنت ناقشت الرسالة وحصلت على الماجستير قبل أن أضطر لترك السودان!
وللعلم هذا الباب هو جزء من كتاب كنت أعددته عام 1985 عن القضية الفلسطينية ليكون رؤية إسلامية للصراع، ويجيب على سؤال:
لماذا فلسطين هي القضية المركزية للأمة! وعلى أن الحركة الصهيونية حركة دينية وليست صنيعة العرب.
وكنت أثناء دراسة الدبلوم قد أعطيت فصل منه للدكتور الذي يدرسنا مادة "التاريخ الإفريقي" (هذا الفصل الذي أنشر حلقاته تحت عنوان قراءة واعية لعلاقة الغرب بالإسلام)، وعندما اطلع عليه كان أميناً وصادقاً معي، فقد أعجب به جداً، ونصحني ألا أًعطيه لأحد مرة أخرى باسم الثقة! جزاه الله خير.
وكان محقاً فكم أعطيتهم أبحاثي ليستفيدوا منها في رسائلهم وأكتشف سرقة جزء أو أجزاء منها دون ذكر اسمي كمرجع، وآخرها عام 2020 أحدهم حصل على درجة الدكتوراه بثلاثة فصول عن أكذوبة الهيكل المزعوم، أضاف لها مواد أخرى دون تغيير كلمة ولا حتى شطب أو فراع سأستكمله وأعدله .. ومقدمة تلك الفصول التي نُشرت مع فصول أخرى مما أعددته عام 1985 في كتاب في الجزائر باسمي سرقها حرفياً!
الإسلام هو العدو .. فاحذره؟! (1-2)
مصطفى إنشاصي
قال تعالى: "وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ" (البقرة: 120)
للأسف بصفة عامة نحن، أنظمة ومنها الإسلامي، وأحزاب، والأفراد، نعيش الواقع ولا نفهم عدونا لذلك نكرر الأخطاء نفسها، ونغفل عن:
أن اليهود والنصارى يعادون فينا سواء كنا علمانيين أو إسلاميين، ديننا، وأننا مهما أحسنا فيهم الظن وتنازلنا ونافقنا وداهنا و... لن يرضوا عنا وسيبقى خوفهم من إسلامنا هو الذي يحكم علاقتهم بنا...
لذلك سأبقى أكرر تلك التجربة كلما تكرر الخطأ نفسه!
انتهى الحوار مع الدكتور فترة دراسة الدبلوم إلى: أننا مع المفاوضات وضد التنازلات! وقد ربطت يبننا علاقة طيبة تجاوزت علاقة دكتور بطالب، وفي أحد الأيام بعد إعلان نتيجة امتحان الدبلوم التقينا، وسألني: اخترت موضوع لرسالة الماجستير؟ أجبت: لم أختر بعد. فقال: ما رأيك أعرض عليك بعض العناوين بشرط أن أكون أنا المشرف على رسالتك! ولأن هدفي من الرسالة أيا كان عنوانها كان تقديم رؤية للصراع بأبعاده التاريخية والمستقبلية، ولأنني من خلال حواراتنا فترة الدبلوم واللقاءات الثنائية أصبحت على معرفة بأسلوب الدكتور وتوجهاته، ولا أريد أن أختلف معه عند الكتابة، فكان لا بد لي من طرح سؤال مباشر وواضح عليه قبل الموافقة أو الرفض:
من الذي سيكتب؛ أنا أم أنت؟!
فأجاب: أنت طبعاً!
قلت؛ بمعنى أدق: ما هي حدود تدخلك في ما سأكتب؟ هل ستنحصر في الجانب الأكاديمي أم ستتجاوزه إلى إبداء آراءك فيما سأكتب؟
كان رده: في الجانب الأكاديمي فقط، وأنت حر في ما تكتب!
قلت: إذن أنا موافق!
وقد عرض عدة عناوين أكثرها ليس لها علاقة مباشرة بالقضية المركزية للأمة – فلسطين – ما عدا موضوع واحد له علاقة بصميم القضية والوطن كله، لكن مشكلتي أنه طُرح فترة وجودي في السجن وكان ممنوع دخول أي مواد إعلامية لنا، ولا أعرف عنه إلا شذرات، ولم يكن أيامها في نت وجوجل ومكتبات الكترونية وخلافه، وكان هو متشجع له أكثر من بقية العناوين الأخرى، وقالها:
أنت أقدر واحد يمكنه الكتابة في هذا الموضوع، وتقديم رؤية مستقبلية له!
وفعلاً الموضوع مهم وخطير، ولم يُكتب فيه من قبل إلا مقالات إخبارية أو تحليلية فقط، لكن كتب أو رسائل علمية أو أبحاث رزينة لم يكن كُتب فيه بعد.
قلت: نعم؛ الموضوع مهم ويهمني أن أكتب فيه خاصة وأنه جديد ولم يسبق الكتابة عنه، وأنا أميل إلى أن أكون من المبادرين في الكتابة عن هكذا موضوعات، لكن ليس لدي أي مراجع مبدئية على الأقل أضع من خلالها خطة البحث. قال: لدي كم كتاب سيفيدونك في ذلك ولا أظن أنك ستعجز عن وضع خطة بحث مُحكمة! المهم وافقت، وكان عنوان الرسالة: "أثر السوق الشرق أوسطية السياسي والاقتصادي على دول المنطقة"!
وقد زودني بثلاثة مراجع رئيسة: كتاب (شيمون بيريز: الشرق الأوسط الجديد)، وكتيب نسيت اسمه، ملف لمجموع الأوراق التي قُدمت لمؤتمر دعت له جامعة (هارد فارد) الأمريكية، وشارك فيه قيادات فلسطينية منها الدكتور نبيل شعت وآخرون، وقيادات فكرية وقد تكون رسمية من كيان العدو الصهيوني، ومفكرين من دول عربية وغربية وعالمية، وموضوعه دراسة احتمالات قيام سلام بين الفلسطينيين وكيان العدو الصهيوني، وجوهره كان اتفاق أوسلو، فهو كان مؤتمراً اقتصادياً أكثر منه سياسي، وقدم الجانب الاقتصادي على السياسي في نتائجه، وأنه هو الذي سيكون ضامناً لأي اتفاق سياسي، وورقة قدمها أحد موظفي وزارة الخارجية السودانية للوزارة حول مخاطر (السوق الشرق أوسطية على مستقبل المنطقة)، وللحق مع أنها وريقات معدودة إلا أنها كانت مهمة جداً.
اطلعت على المواد التي زودني بها، والحمد لله وُفقت في وضع خطة بحث مُحكمة تم الموافقة عليها في أول اجتماع لمجلس الكلية، وبدأت الكتابة. وأعددت الباب الأول المكون من أربعة فصول، وعندما قدمته له، وحدثته عن مضامين كل فصل، توقف وبدأ يبدي اعتراضاته قبل قراءته!
في البداية اعترض على العمق التاريخي الذي يبرز جذور الصراع، فقلت: المنهج الغربي في البحث والدراسة وخاصة عندنا لا يركز على الجذور في دراسة أي قضية لها علاقة بالصراع مع الغرب والعدو الصهيوني، لكنه سطحي يتناول الجذور القريبة الظاهرة والمعروفة للجميع، وذلك يُفقد أي دراسة عمقها التاريخي المطلوب، فتأتِ الدراسة ونتائجها سطحية، وتقدم رؤية غير عميقة وغير دقيقة للصراع، وذلك ما أوصلنا إلى الحال التي نحن عليها اليوم.
كلما تكرر تجربة المجرب يتكرر إعادة النشر للتذكير فإن الذكرى تنفع المؤمنين!
مع المفاوضات وضد التنازلات
مصطفى إنشاصي
من خلال تجربتي الشخصية سأكتب عدة حلقات منفصلة تناقش الواقع الفلسطيني والعربي في علاقاته مع الغرب والعدو الصهيوني، توضح أن كثير من جيل اقادة الذين شاخوا الآن، ممَنْ يقودون بعض الفصائل الفلسطينية على الرغم من مرور عقود لهم في العمل السياسي إلا أنهم مازالوا مراهقي ساسة، وسنة أولى سياسة!
عام 1997 كنت أدرس في مرحلة الماجستير في "جامعة إفريقيا العالمية" بالسودان، وقد كان من ضمن المواد الدراسية المقررة علينا مادة بعنوان "سينمار" وكان موضوعها علاقات السودان مع أمريكا وأسباب الخلافات بينهما، حيث كانت السودان آنذاك مصنفة ضمن قائمة (الإرهاب) أمريكياً، ومفروض عليها حصاراً أمريكياً، وكان في تلك الفترة يجري حوار غير مباشر بين السودان وأمريكا عبر وسطاء لتحسين العلاقة بينهما وكسر الحصار المفروض علي السودان، وكانت أمريكا مقدمة مجموعة من الشروط على السودان تنفيذها قبل أن تخطو أمريكا أي خطوة على طريق تحسين العلاقات بينهما، وكانت السودان قد نفذت بعضها!
وكان الدكتور الذي يدرسنا تلك المادة مسئول الشئون الأمريكية في وزارة الخارجية، وهو بدرجة سفير، وقد قضى عشرون عاماً من عمره في أمريكا نفسها، ودرس في جامعاتها، ولديه علاقات جيدة مع أهل العلم والسياسة هناك، من أمريكيين وجنسيات أخرى في أمريكا، وللحق أستاذ قدير علماً وخلقاً، وكان ودوداً في تعامله، وذلك ما شهد له به بعض من التقيتهم من زملائه سنوات الدراسة الجامعية.
وأثناء المحاضرات كنت متشدداً في موقفي من الحوار ومعترضاً على مبرراته للحوار مع أمريكأ، إلى درجة ظن معها أني أرفض الحوار من حيث المبدأ! فطلب مني أن أزوره في مكتبه في وزارة الخار من النقاش والحوار بحرية أكثر، ووقت أوسع. وبيني وبين نفسي ألتمست له العذر فهو مثله مثل كثيرين يبنون مواقف مسبقة من أصحاب الاتجاهات الإسلامية قبل الحوار معهم وسماعهم، ولا يحاولون من خلال الحوار وضع أسس لفهم مشترك حول بعض قضايا الحوار، تكون نقاط مشتركة أو مفاهيم واضحة متفق عليها معهم حول تلك القضايا.
وبعد فترة من النقاش والحوار اكتشف أنني لست ضد الحوار مع أمريكا أو غيرها، ولكنني ضد الحوار غير المتكافئ، أو بمعنى أدق، ما قلته له بالحرف:
"أنا لست ضد الحوار ولكن ضد التنازلات بدون تنازل مقابل"!
فقال: "إذن نحن متفقان ولسنا مختلفان"! قلت: "متفقان على المبدأ ومختلفان في الممارسة"! فسأل كيف؟! أجبت: "أنت مع اتفاقك معي على مبدأ عدم التنازل إلا أنكم تنازلتم كثيراً ونفذتم بعضاً مما طلبته أمريكا منكم إلى درجة أساءت إلى مصداقيتكم لدى الكثيرين ممن كانوا يثقون بكم، وفي المقابل لم تحصلوا من أمريكا على أي تنازل أو مقابل". قال: "نحن نتنازل نعم ولكن تنازل محسوب، فهو إلى نقطة معينة فإن لم تبادلنا أمريكا بالمثل فسوف نوقف المفاوضات والحوار معها"! قلت: "في هذه الحال تكون أمريكا كسبت وأنتم خسرتم ما تنازلتم عنه، وفقدان ثقة البعض بكم، وعندما تعود المفاوضات ستعود من حيث انتهت لا من حيث بدأت، ولن تطالبوا أمريكا بتنفيذ المقابل لما نفذتموه، على جميع الوجوه المفاوضات غير المتكافئة والمشروطة لا تخلو من الخسائر"!
لذلك أنا أرفض الحوار أو المفاوضات في مثل هذا الحال مع أمريكا، لأنني مقتنع أن أمريكا صهيونية، صليبية، تتعامل مع العرب والمسلمين بمنطق الاستكبار والعداء ومحاولة الإذلال لنا فقط! فقال: "اطمئن نحن واعون لذلك وكل خطوة نقدم عليها تكون مدروسة جيداً ومحسوب مدى إيجابيتها وسلبيتها". قلت: "أخشى أن يحدث معكم ما حدث مع العراق، فانظر كم سنة لها منذ حرب الخليج الثانية وهو يقدم تنازلات من أجل رفع العقوبات والحصار عنها ولم يحدث، بل كلما قدم تنازل طُلب آخر ومسلسل التنازلات لا ينتهِ، لذلك أنا مع المفاوضات والحوار وضد التنازلات"! وأنهَ حديث يومها مطمئناً لي أن تنازلاتهم مدروسة ومحسوبة.
وعن نفسي تبقى قناعتي أن التنازل هو التنازل ما لم يقابله تنازل بالمقابل!
وقد انتهى الحوار بينهما بعد فترة قصيرة إلى طريق مسدود، رغم ما قدمه السودان من تنازلات ذهبت أدراج الرياح ولم يجني منها أي فائدة تذكر!
المفاوضات مع العدو الصهيوني مرفوضة من حيث المبدأ!
في أحد الأيام أثناء طريق عودته من الجامعة إلى الوزارة حيث كنت أوقات أروح معه فسكني في طريقه.
سألني عن المفاوضات مع العدو الصهيوني؟! فكان ردي قاطع: عن نفسي ضد المفاوضات المباشرة مع العدو الصهيوني تحت أي ذريعة أو مبرر. ولا أقبل كلمة تنازل فيها من أي طرف كان! وذكرت له قوله تعالى: "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ" (المائدة:82).
الرؤية القرآنية للصراع: الغفلة والنسيان (6)
مصطفى إنشاصي
وإن كان سبب طرد إبليس من الجنة هو معصيته أمر الله تعالى بالسجود لآدم، استكباراً واستعلاءً واعتزازاً بأصله على آدم، لشعوره بأنه خير وأفضل منه؛ فإن سبب هبوط آدم وزوجه من الجنة كان أولاً الغفلة والنسيان، قال تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} (طه:115). ثم الطمع في الملك والسيطرة والهيمنة والخلود، وذلك هو سبب بلاء وشقاء الإنسانية. قال تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى} (طه:12).
تلك الغفلة وذلك الطمع في الخلد كانا السبب في هبوط أبينا آدم إلى الأرض، وشقاء ذريته فيها بسبب ما ينشأ عنهما من عداوة بين بني آدم. قال تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} (البقرةـ:36).
ولم يتركً الله تعالى بني آدم بعد هبوط أبيهم آدم إلى الأرض من دون توجيه أو إرشاد لِما يمكن أن يصلح به حالهم، ودون أن يزودهم بالمنهج الذي يمكنهم به من تحقيق الاستخلاف في الأرض، قال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة:38). وفي الوقت نفسه حذرهم الله تعالى من الشيطان وعداوته لهم، وحذرهم من أن يفتنهم ويوقعهم في الفحشاء والمنكر، ويوقع بينهم العداوة والبغضاء وغير ذلك مما يخالف منهج الاستخلاف لبني آدم في الأرض، فيكون سبباً في دخولهم النار كما كان سبباً في فتن أبويهم وإخراجهما من الجنة. قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف:27).
وعلى الرغم من معرفة بني آدم بسبب هبوط أبويهم من الجنة إلى الأرض، ومن معرفتهم أن الشيطان عدو لهم، إلا أنهم لم يتعظوا ولم يتعلموا! لذلك استحكمت بينهم العداوة التي قررها الله تعالى: {اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}، تلك العداوة التي علمها وأدركها الملائكة من خلال ما علموه من الله تعالى عن طبيعة آدم البشرية، وأن تلك الطبيعة من القوة والضعف والهوى والرغبة ستكون سبباً في العداوة والقتل والإفساد بين بني آدم في الأرض. قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة:30).
القتل أول جريمة إنسانية
وقد كان أول جرائم بني آدم وعداوتهم؛ القتل، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ. فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة: 27 ـ 30).
وسوف تتالى بعد ذلك جرائم بني آدم فيما بينهم وتتنوع، وسينقسمون إلى قسمان رئيسيان، هما: أهل الإيمان والخير والصلاح من أتباع المنهج الرباني والعقيدة الصحيحة. وأهل الكفر والشر والفساد والاستكبار الذين أغواهم الشيطان وهيمن عليهم وجعل منهم جنوده ضد إخوانهم من بني آدم، وسيحكم الصراع والعداوة العلاقة بين الطرفين إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها.
وقد آثرت الحديث عن عداوة إبليس لآدم في الجنة وسبب تلك العداوة، وعن سبب هبوط أبوينا من الجنة؛ لعلاقتهما بواقع الصراع والحروب والعداوة بين بني آدم في هذا العصر وكل عصر، فالعالم اليوم منقسم إلى فريقين، دول الشمال الغني، الدول الغربية النصرانية ومن لف لفها، التي يجمع بينها وبين اليهود عقيدة الاستكبار والاستعلاء العرقي، ونظرية سيادة الرجل الأبيض على الأرض وهيمنته على كل شعوب الأرض ومقدراتها، ويسعون لفرض هيمنتهم السياسية والاقتصادية والثقافية على الشعوب المستضعفة بشتى الوسائل والأساليب الشيطانية، وحملها على تبني قيمهم الغربية المادية.
الرؤية القرآنية للصراع: الصراع بين الخير والشر (5)
مصطفى إنشاصي
هناك قضية مهمة وجوهرية حاضرة بقوة في الفكر والشعور واللاشعور في المجتمعات الغربية النصرانية، حاضرة في تفكير وحياة الغربيين سواء على صعيد الفرد أو المجتمع، وتتردد على ألسنة الخاصة والعامة، الجاهل والعالم، رجل الدين ورجل السياسة، وخاصة أتباع المذهب البروتستانتي*، كما أنها حاضرة في وسائل الإعلام الغربية وخاصة الأمريكية منها بشدة، وكثير منا قد يكون لفت انتباهه في الأفلام الأمريكية كلمات مثل: الأخيار والأشرار، الطيبون والأشقياء أو السيئون أو ما شابه.
وغالباً الذي قاد المجتمعات الغربية لهذا المنطق وبناء فلسفة الخير والشر وجعلها جزءً من المعايير السلوكية لدى الغرب هم اليهود بعد عصر النهضة الأوروبية، فالنصرانية جاءت بعد ما انحرفت العقيدة اليهودية وتم التحريف الكامل للدين اليهودي، وجاءت رسالة المسيح عليه السلام لتصحيح ذلك الانحراف الذي أحدثه كهنة المعبد اليهودي إلا أن كهنة اليهود استطاعوا تحريف رسالة المسيح عليه السلام وتحويلها إلى الوثنية، وقد ازداد تأثير اليهود في النصرانية والمجتمعات الغربية بعدد الانشقاق الكبير الذي أحدثوه في الكاثوليكية وتأسيس المذهب البروتستانتي الذي أعد لليهود قداستهم المفقودة، وأعادهم إلى غرب أوروبا ومنحهم نفوذاً كبيراً ساهم في رسم مستقبل الغرب برؤية توراتية!
ذلك على صعيد المجتمع الغربي نفسه، ويزداد ذلك المفهوم العقائدي عند الغربي وضوحاً عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بينهم أو بموقفهم من الإسلام والمسلمين، فتصبح عقيدتهم وقيمهم الاجتماعية الغربية وكل ما هو غربي هو الخير المطلق والإسلام والمسلمين هم الشر المطلق، وتتجسد تلك العقيدة في أجلى صورها في عقيدة الهر مجدون التي يؤمن بها معظم الغربيين وخاصة النصارى البروتستانت، والتي في عقيدتهم الدينية النصرانية ستكون المعركة الفاصلة بين الخير المطلق الذي يمثله الغرب النصراني وبين الشر المطلق الذي يمثله الشرق الإسلامي، وأنه سيتم فيها القضاء على الشر قضاءً مبرماً وإبادة المسلمين إبادة نهائية، وينتصر الخير المتمثل في النصرانية وقيم المجتمع الغربي انتصاراً ساحقاً! ذلك الاعتقاد تشكل لدى الغرب متأثراً بعقيدة قيادة اليهود للعالم نهاية الزمان ودليل هيمنتهم على الغرب وجعله جزءً من عقيدتهم الدينية، واستمرار لدور اليهود في تشكل التحالفات الحديثة التي تخدم مخطط سيطرتهم على العالم.
تلك العقيدة لدى الغربيين تعود في أصلها إلى تصورهم العقائدي الديني لعلاقتهم بغيرهم من بني البشر، وعلى أساس ذلك التصور والمعتقد الديني ينقسم البشر في نظرهم إلى قسمين، أخيار وأشرار، طيبون وأشقياء سيئون، لا تبتعد كثيراً في مفهومها عن ما قدمناه في الحلقة الماضية عن أن سنن التدافع والصراع بين الخلق جعلها الله تعالى أحد النواميس الإلهية التي تحافظ على التوازن واستمرار الحياة البشرية على الأرض، وأن الله تعالى يدفع الباطل بالحق والشر بالخير والكفر بالإيمان ... وذلك هو حقيقة تاريخ بني الإنسان منذ أن خلق الله تعالى أبينا آدم في الجنة، لغاية إلهية لجعله خليفة له سبحانه في الأرض. قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة:30).
الاستعلاء والاستكبار العرقي
وقد تمثل الشر والتحدي الأكبر لأبينا آدم في الجنة في إبليس الذي عزم على الانتقام منه ومن ذريته من بعده، لأن معصية إبليس واستكباره ورفضه تنفيذ أمر الله تعالى بالسجود لآدم كان سبباً في طرده من الجنة وحرمانه من رحمة الله تعالى. قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة:30).
وقد كان إباء واستكبار إبليس عن السجود لآدم سببه الأنا وحب الذات والتعصب للأصل. قال تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (الأعراف:12). فكان أول أنواع الشر وأعظمها الاستكبار والاستعلاء تعصباً للعرق، وسيكون ذلك هو أصل كل الشرور على الأرض بين بني آدم بعد هبوطهم إليها، وهو الأصل في شقاء بني الإنسان وسبب حروبهم وعدائهم.
وقد أسكن الله تعالى أبينا آدم وزوجه حواء الجنة وأمرهما أن يأكلا مما فيها إلا شجرة واحدة. قال تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} (البقرة:35). وفي الوقت نفسه حذرهما من الشيطان بأنه عدو لهما فلا يخرجهما من الجنة، أي ألا يوسوس لهما ليأكلا من تلكم الشجرة.
أو مكرها التوقيع عليها في الأم المتحدة عام 2018 فيما يعرف باتفاقية سيداو، التي تبيح زواج وزنا المحارم و...
Читать полностью…وبناء عليه تم:
تقسيم الولايات العربية العثمانية في اتفاقية سايكس - بيكو بين بريطانيا وفرنسا عام 1916.
وصدور وعد بلفور عام 1917 لزرع الإسفين، القومية الغريبة، ليفصل شرق الوطن عن غربه.
وبعد قيام الكيان الصهيوني في فلسطيننا ليكون "أداة" الحفاظ على "أنظمة التجزئة" توالت المخططات والإعداد لمزيد من التجزئة والتفتيت لتلك الأقطار على أسس عرقية وطائفية ومذهبيةو... التي حاولون تنفيذها لتكون واقع النظام الإقليمي الجديد (الشرق الأوسط الجديد) ومركزه الكيان الصهيوني، والجميع تحت حمايته ويدور في فلكه!
وأخيراً نذكر بالحاضر الغائب:
أزمة كورونا عام 2020 ما كشفته من مخططات لتحقيق الخرافات التوراتية آخر الزمان عن يأجوج ومأجوج، وأنها ليست بشر تدمر وتبيد وتأكل البشر، ولكنه وباء يصيب العالم فينقرض ثلثي العالم ويبقى ثلث، وما قيل أن هناك مؤامرة سرية لتقليل عدد سكان العالم إلى ثلاثة مليار نسمة، وهناك من قال المليار الذهبي، أي لا يزيد عدد سكان العالم عن مليار نسمة!
وقلنا في وقته: أن ذلك هو مؤامرة ولا أمر سري، ولكنه توصية من منتدى روما (المالتوسية الجديدة) الذي أسسه عام 1968 نخبة من العلماء والمختصين السياسين الاقتصاديين والمفكرين التوراتيين دينيا أو بروتستانتياً الذين يؤمنون بأن:
الأرض وما عليها أعطاها الله لـ(شعبه المختار) ما يعني أن ثرواتها يجب أن تكون ملكية ذلك الشعب الوهمي، وأن ما يتمتع به (الجوييم) من خيرات هي حقه، لذلك يجب إبادتهم وتقليل عددهم، وذلك هو الهدف من نشر الفايروسات المتنوعة والحروب والأوبئة و...
وذلك ما سبق أن تحدث عنه هنري كيسنجر عندما قال: أن هناك حكومة سرية هي التي تحكم العالم! وأكد ذلك كثيرين مع بعد ظهور أزمة كورونا،وأن الأزمة ستستمر عشرة سنوات إلى عام 2030، وأعلن أحد الحاخامات اليهود في إعلان عالمي عن مستقبل العالم سيكون:
دولة واحدة
حكومة واحدة
جبش واحد
سلاح واحد
نظام اقتصادي واحد
....
ونذكر أنه من ضمن الكثير الذي قيل:
أن عام 2025 سيكون بداية التغيرات الحفغلية، وأنه سيحدث فيه احداث كثيرة تلعب دور في تشكيل النظام العالمي الجديد الذي سيكتمل عام 2030، تلك الأحداث التي بدأ يعلن عنها الرئيس الأمريكي رونالد ترامب:
السيطرة على بعض مناطق تجمع الثروات والمياه والمعادن الثمنية النادرة..
السيطرة على الشرايين والممرات البحرية التجارية عالمياً
فكفكة التحالفات القديمة لإحداث فراغ عالمي يملئه الجكومة السرية التي ستصبح علنية
سياسة خفض نفقات الخزانة المركزية التي بدأت من داخل البيت الأبيض وإقالة موظفين بعشرات الآلاف، واتسعت إلى مجالات الصحة والتعليم و...
الحرب التجارية مع دول العالم اليت تجري الآن وتتصاعد
إياف نشاك منظمة التنمية الأمريكية التي تقدمم ساعدات لملايين البشر وتحميعم من الجوع والانقراض
ذلك وغيره يهدف إلى إفلاس عالمي على صعيد الأفراد والدول والشركات والبنوك وغيرها وتجميعها في أرصدة كبار المرابين اليهود وشركاءهم المتهودين، ظناً منهم أنه اقترب زمن حكم المسيح والسيادو العالمية اليهودية...
تلك رؤية مختصرة يجب استحضارها عن التحليل أو الكتابة أو القراءة وإلا الاستمرار على النمط التقليدي المعتاد منذ عشرات السنين يعني استمرار الضياع للوكن والثروات والفرص لاستعادة ذاتنا ونهضتنا ووحدتنا والتحرر من هيمنة الغرب اليهودي النصراني علينا
وحذرهم من عداوته المطلقة لهم، قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ {فاطر:6}.
وكما حذر الله آدم من إبليس، وحذره وبنيه من عداوة الشيطان المطلقة لكل بني آدام دون تمييز بين مؤمن وكافر، بعد بعثة رسولنا الكريم محمد صلَ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد أن أتم الله دينه، حذر المؤمنين من الأشد عداوة لهم من ذرية آدم، قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ {المائدة:82}.
وسيأتي معنا تفاصيل لماذا اليهود هم الأشد عداوة للمؤمنين بعد الشيطان، وأن علينا الحذر منهم أكثر من بقية الأعداء الآخرين بني آدم؟!
وقال تعالى: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ. قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾. (الأعراف:14-18)
عن صفية رضي الله عنها، أن النبي صلَّ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: {إن الشيطانَ يجري من ابنِ آدمَ مجرَى الدمِ}, رواه الشيخان.
حرب مفتوحة لا ضوابط فيها ولا ممنوعات أو محرمات من قِبل الشيطان، لا ينجو منها إلا مَن رحم الله، عباد الله الصالحين، قال تعالى: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا. يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا. أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا﴾ {النساء:119-121}.
وقال تعالى: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا. قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا. وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا. إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا﴾ (الإسراء:62-65)
لأحتنكن: أستولي وأسيطر عليهم وأسيرهم كما أشاء بالإغواء والإفساد، إلا المخلصين منهم في الإيمان، وهم قليل.
كان الرسول (ﷺ) يودع رمضان بقوله:
اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه، فإن جعلته فاجعلني مرحومًا ولا تجعلني محرومًا، الحمد لله على التمام، الحمد لله على البلاغ الحمد لله على الصيام والقيام، اللهم اجعلنا ممن صام الشهر إيمانًا واحتسابًا وأدرك ليلة القدر وفاز بالآجر.
تقبل الله طاعتكم
كل عام وأنتم بخير
بر الوالدين:
رفع الله تعالى الوالدين إلى مرتبة عالية جدا في قوله تعالى:
"وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا".
فقد قرنهما بعبادته تعالى ليعرف الأبناء عظمة احترامهما وطاعتهما والحرص على برهما
والدعاء هو من أفضل ما قد يبر به المرء والديه الأحياء والأموات،قال تعالى:
"واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا".
وخفض الجناح والتذلل بين الأهل والأحباب، وبين الإخوة والأخوات أيضا لا ليس ذلاً ولا نفاقا بالمعنى المتعارف عليه، لكنه التودد المحمود في العلاقات الاجتماعية التي تخفظ الأسرة والمجتمع وتقوي روابطه..
والنزول عند رأيهم لا يسمى انكسارا بل صلة الرحم والمحبة هي عز لك في الدنيا، ومدد في رزقك وعمرك .
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قال تعالى: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ)!
الإنفاق ليس له وقت محدد لكن متطلبات الحياة واحتياجات الأسر في رمضان لخصوصيته تزيد الأعباء والمعاناة على الجميع وخاصة الأسر الفقيرة، لذلك آثرت التذكير بأهمية وفضل الإنفاق والصدقة كل ليلة ...
جزى الله خيرا من أنفق وتفقد الفقراء، والأيام المتبقية من رمضان وحاجات العيد قد تكون أقسى مما مضى على نفوس الفقراء العاجزين عن توفير احتياجات أسرهم، فمن لديه فضل فليسارع في تقديمه لهم، ويغتنم الفرصة قبل أن:
(يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ)
تقبل الله طاعتكم، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إنها ليالي مباركة ليالي خير وفضلها عظيم كما يستحب فيه الدعاء بقلب خالص صادق يستحب فيها الانفاق حبا وتقربا لله، وكن على يقين أن الله سيكرمك بخير مما أنفقت.
قال تعالى: {وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}.
الصدقة لا تنقص المال بل تكون سببا لزيادته وبركته، بل زيادة الصدقة نفسها ما نقص مال من صدقة
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ما نقص مال من صدقة بل عزا وزيادة:
لم توجد الصدقة لتنقص من مال المؤمن قط، لقول الرسول صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:
"ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ“
وقال أيضا: ”ما نقص مال عبد من صدقة“
وقال عز وجل: “ويمحق الله الربا ويربي الصدقات”
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
خلاصة القول: أن المنهج الدارج في كتابة الرسائل العلمية في الجامعات العربية منذ عقود قريبة غالباً لا يعتمد على العمق في البحث لتعميق الرؤية واستخلاص نتائج أكثر قرباً من حقيقة الواقع والصراع الدائر، فضلاً عن أن أكثر الجامعات أصبح التعليم لديها استثماري وكل همها الرسوم، والطالب لا يهمه إلا الحصول على الدرجة العلمية للحصول على وظيفة، أو الموظفين للحصول على ترقية، والأغنياء للحصول على لقب للفشخرة، أو لللخداع الحزبي الجماهير بلقب دكتور..!
لذلك حصل الهبوط في مستوى التعليم لدينا وفي السطحية والتسطيح لكل شيء، الكتابة، التحليلات، الثقافة، السياسة، كل شيء! فهل لنا في بقية خير في بعض الأساتذة الكبار وجهابذة العلم ليتنادوا إلى تدارك هذا السقوط والهبوط في مستوى التعليم الجامعي والدرجات العلمية؟!
فطلب استبعاد بعض الفصول أو دمجها، رفضت! بعدها قال: الباب طويل وذلك يعني أن الرسالة ستكون كتاباً وليس أطروحة ماجستير اختصر المادة المكتوبة! قلت: في الحقيقة؛ أنا أعد الرسالة لنشرها كتاب بعد إجازتها، ومع ذلك سأختصر منها بما لا يخل بالمضمون! إلا أنه بعدها قال: يا حبذا لو طبعت الأوراق قبل إحضارها لتسهل قراءتها، فطبعتها! إلا أنه أيضاً رفض استلامها وقراءتها، واستمر الأخذ والرد حول الموضوع نحو أربعة شهور!
اضطررت ساعتها أن أقول له: لا تغضب؛ سأقدم طلب لعميد الكلية أطلب فيه تغيير الدكتور المشرف على الرسالة. لكنه كان يستبعد أن أفعلها لِما كان بيننا من علاقة وتفاهم! وعندما قدمت الطلب للدكتور عميد الكلية هو الآخر اندهش من الأمر، وقال: حسب علمي أن علاقتكم متينة وبينكم تفاهم كبير! قلت: وعن نفسي العلاقة لن تتأثر بطلبي هذا. قال: ممكن تعطيني فرصة أتحدث معه؟ قلت: افعل ما تراه مناسباً.
... يتبع
وقوله تعالى: "إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (الممتحنة:9).
من خلال التجربة والواقع ونتائج مفاوضات سابقة مع العدو الصهيوني أرفض أي مفاوضات معه، لأنها كلها خسرنا فيها! بدءً من الهدنة الأولى والثانية عام 1948 مع العصابات الصهيونية، فقد منحتها الوقت الكافي لتغيير معادلة الحرب وتحويل هزائمها إلى انتصارات وإقامة الكيان الصهيوني على 78% من فلسطين سايكس – بيكو ولا أقول التاريخية مثل كثير ممن يجهلون تاريخ فلسطين. وهدن عام 1949 التي وقعتها الجيوش العربية التي دخلت فلسطين عام 1948 لتحريرها فانتهت بتسليمها وتوقيع كل جيش هدنة مفردة مع العصابات الصهيونية مكنتها من تأسيس (دولة) تستعصي في نظر الأنظمة الآن على الكسر وتطالب بالاعتراف بها!
ووقف إطلاق النار على الجبهة المصرية أثناء حرب رمضان/أكتوبر 1973 التي مكنت العدو الصهيوني من سحب قواته ومعداته من الجبهة المصرية إلى الجبهة السورية، واستعادة ما تحرر من الجولان ذات الموقع الاستراتيجي الذي يشكل فقدانه خطراً استراتيجياً على وجوده وأمنه، وكاد يدخل دمشق!
تهدئة الفصائل الفلسطينية المقاومة
أما على الصعيد الفلسطيني نبدأ بأم المصائب التي حلت على الشعب الفلسطيني، والتي تؤكد أن انتفاضة الأقصى كانت قرار الرئيس الفلسطيني الراحل أبو عمار (ياسر عرفات) ولم تكن قرار الفصائل، وقد اعترف قادة من حماس نفسها أنه دعمهم مالياً ومعلوماتياً وبالأسلحة أثناء الانتفاضة! وبعد أن تم اغتياله مسموماً في تشرين الثاني/نوفمبر2004، سرعان ما توقفت الانتفاضة في آذار/مارس 2005 بالتوقيع على هدنة لمدة سنة (استراحة المحارب)! تلك الاستراحة التي أصبحت هي الواقع ما لم يخترقها العدو، وقد مكنت العدو الصهيوني من الخروج من غزة خروج المنتصر، ليعيد تموضعه حولها محاصراً وخانقاً لها، وفصائلنا تعيش احتفالات الانتصار! وبدل أن تكمل من حيث انتهى الراحل عرفات، واكتشافه أن العدو لا يريد منحه دولة بأي شكل في الضفة وغزة، انتكست لتعيد إنتاج تجربة فتح والفصائل مع م. ت. ف، وبررت موافقتها لدخولها بنفس ما بررت به فتح دخولها المنظمة عام 1968: حصلنا على شرعية المقاومة نريد الحصول على الشرعية الساسية!
والأسوأ منها التهدئة التي وقعتها حماس في حزيران/يونيو 2008 بوساطة مصرية وأيضاً اعتبرتها انتصار لها وللمقاومة، قايضت فيها حقنا في الغذاء على المحتل وحقنا في مقاومته بتهدئة مجانية! استمر تجديدها إلى أن انتهت اليوم إلى استجدائها والعدو يرفض، فقد أصبحت حقاً له ويريد مقابلها تصفية القضية، ببعض المشاريع التنموية التي ستقدمها بعض الدول لإخراج غزة وأهلها من أزمتها واختناقها ...!
متى ندرك مخاطر العمل السياسي والتفاوض غير المتكافئ مع العدو في ظل اختلال موازين القوى لصالحه وعدم امتلاكنا أوراق قوة حقيقية لا وهمية نستطيع بها إرغامه على التنازل لنا عن بعض حقوقنا الوطنية؟!
متى تدرك حماس تحديداً وفصائل المقاومة أن هذه حرب تحرير طويلة الأمد، وأن القضية قضية الأمة وليست قضية حماس أو الشعب الفلسطيني، والأمة تحتاج لأجواء وأفعال تحركها لتطيح بواقعها الذليل وتتحرر من جبنها وأنظمتها قبل أن تحرر فلسطين، لأن الجبان والعبد والمرتزق لا يحرر وطن، وتحريرها مسئولية الطليعة في فلسطين التي بحركتها تحرك الأمة نحو مشروع التحرر والوحدة والنهضة والتحرير؟!
ويمارسون أبشع عمليات الإبادة ضد كل مَنْ يرفض ويقاوم تلك الهيمنة، سواء الحروب العسكرية السافرة، وما يرتكبونه من قتل وحملات إبادة واستئصال جماعية، أو الحروب الاقتصادية وتدمير اقتصادات الشعوب الضعيفة وصناعاتهم الوطنية، بفرض أجنداتها عليهم وإغراقهم في الديون التي يعجزون عن الوفاء بسدادها، وإكراهها على فتح مصارع دولهم أمام سلعهم ومستثمريهم، أو من خلال تدمير مقومات قوتهم ووجودهم العقائدي والثقافي، وتفكيك مجتمعاتهم وبناها وأنساقها الاجتماعية القائمة واستبدالها بقيمهم الثقافية والاجتماعية الغربية، وذلك ليسهل عليهم إفساد شبابهم وإلغاء عقولهم واختراقها بثقافتهم وإلحاقهم بها.
وبين قوى الخير والصلاح التي تدفع بكل ما أُتيت من قوة ووسيلة مشروعة ذلك الطوفان المادي الشيطاني الجارف والماحق القادم من قوى الشر الغربية للقضاء عليهم، تلك القوى التي تتهمها قوى الشر والاستكبار العالمي بـ(التطرف والإرهاب)، أو التخلف والعداء للتقدم والمدنية والحضارة، أو الأشرار بصفة عامة والمقصود بهم (المسلمون) ... وغير ذلك، وتُعِد العُدة للقضاء عليها في المواجهة المحتومة التي لا مفر من وقوعها، ليتم القضاء عليها واستئصالها عن وجه الأرض، وتسود بعدها قيم الغرب المادية، تلك المواجهة هي معركة الهر مجدون.
قال تعالى: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} (طه:117).
ولكن إبليس الذي طُرد من الجنة وحُرم من رحمة الله بسبب استكباره عن السجود لآدم، وتوعدهما بأن يغويهم ويخرجهم من الجنة، ويدخل أكبر عدد من ذرية آدم النار، كان لهما بالمرصاد. قال تعالى: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ. إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ. قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} {ص:77 ـ 83}.
وعند أول فرصة له للانتقام وسوس لهما وأغراهما وأوقعهما فيما حذرهما الله منه؛ وأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها. قال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ. فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (الأعراف:20 ـ22).
الرؤية القرآنية للصراع: التدافع سنة الله في خلقه (4)
مصطفى إنشاصي
وللإجابة على السؤال الثاني الذي طرحته في الحلقة الماضية: كيف لنا أن نجعل من القدس والأقصى القضية المركزية لكل مسلم نهجاً راسخا ليتحقق عبادة وعمل، وفكراً وممارسة لا نظرياً ولا تنظيراً ولا سياسة، لتنهض الأمة وتستعيد وحدتها الجغرافية والسياسية وتدمير العلو والإفساد الإسرائيلي، ويتحقق وعد الآخرة: َ{لِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً} (الإسراء:7)، وتأخذ الأمة دور القائد للعالم سياسياً وحضارياً؟!
رأيت أن أضع الموضوع في سياقه الصحيح الذي يجب أن يكون جزءً منه، بعيداً عن الاجتهادات والتحليلات السياسية الآنية، والذي عادة ما أفتتح به بعض أبحاثي ومحاضراتي ومداخلاتي في الندوات ذات العلاقة المباشرة بالصراع مع الآخر، وهو:
التدافع والصراع سنة الله في خلقه
إن سنة الله في خلقه هي التدافع والصراع، وأنه لولا ذلك ما انتصر حق ولا أُقر عدل في الأرض! فالله تعالى جعل من نواميس استمرار الحياة على الأرض وإحقاق الحق، أن يُدفع الباطل بالحق، والكفر بالإيمان، والظلم بالعدل، والإرهاب بالجهاد، والفوضى بالاستقرار. لذلك وجب علينا أن نضع هذا الموضوع المهم والخطير في السياق نفسه، في مسار المد والجزر، والصعود والهبوط، والمقاومة والمؤامرة، بين الخير والشر، والحق والباطل، منذ أن خلق الله آدم عليه السلام في الجنة.
وذلك عملاً بمقتضى فهمنا القرآني لسنن الله تعالى في الحياة والعلاقات بين بني الإنسان القائمة على المدافعة والمغالبة والصراع، الذي بدونها لا تستقيم الحياة، ولا يقر فيها عدل ولا قسطاس. سنة المدافعة التي منذ أن تخلى عنها المسلمون ازدادت خطوات التراجع عندهم أمام أعدائهم، وظن عدوهم في هذه المرحلة بالذات أنهم فقدوا القدرة على المقاومة، وأنه قد تحقق له ما حلم به منذ ما يزيد على 1400 عام، لذلك علا واستكبر، وطغى وتجبر، وطلب ما لا يجرؤ على طلبه لو كانت الأمة تأخذ بهذه السنة الإلهية، لتحافظ على ثوابت دينها، وقيمها الحياتية والأخروية.
إن المدافعة ضرورة من ضرورات استمرار الحياة الإنسانية واستقرارها، وضرورة لدفع الخير للشر والتغلب عليه، لأن التخلي عنها والسكوت والصمت على الشر والبغي سيؤدي حتماً إلى تدمير الحياة الإنسانية الخيرة، وإلى سيادة قيم الشر والظلم والفساد والاستعباد التي لا تستقيم معها حياة الإنسان في الأرض. لذلك كانت سنن الاستخلاف الإلهي للإنسان في الأرض تقتضي منه الدفاع عن قيم الخير في وجه الشر، والحفاظ على حريات الناس على اختلاف أجناسهم وعقائدهم في وجه الاستعباد والاستبداد من أي نوع كان.
قال تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة:251). وختم الله تعالى الآية بقوله: {وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} فيه دلالة على واجب القيام بفعل المدافعة في صد الشر والظلم، واعتباره من أفضل الواجبات والطاعات لله تعالى، وأن فوز الإنسان ونجاحه في القيام بهذا الواجب هو فضل من الله عليه وعلى العالمين.
كما أن الله تعالى أوضح لعباده ولأهل الرأي من الناس عامة، أن في المدافعة حفظاً وصوناً للدين والعبادات، وللثقافة والحضارة الإنسانية، ودفعا للإفساد الوارد في الآية السابقة، وأوجب تعالى على نفسه نصرة من يخرج مقاتلاً ومجاهداً لدفع هذا الفساد، ونصرة قيم الحق والعدل، والحفاظ على حرية الدين والعقيدة. قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج:40).
وعليه: فإن ما يقوم به اليهود والغرب وامتداداتهما على مساحة الكرة الأرضية من محاولات لفرض ما يسمونه العولمة على العالم، ونشر قيمها وثقافتها بالإكراه، على حساب قيم وثقافة الشعوب المستضعفة المغلوبة والمخالفة لها في الدين والعقيدة، وعام 2018 تمكنوا بالرضا أو الإكراه فرض اتفاقية (سيداو) النقيض للفطرة الإلهية والأخلاق الإنسانية على العالم والتوقيع عليها في الأمم المتحدة، هو استكبار وعلو وفساد في الأرض؛ وجب على الأمة دفعه إعلاء قيم الخير، وحفاظاً على الحريات الإنسانية العامة والخاصة للناس كافة القائمة على العدل والاحسان، فمفهوم الحريات الإنسانية لدي الغرب يساوي في الحقوق بين الذكر والانثى وهذا مخالف للإسلام فالإسلام قائم على العدل ... ذلك مقتضى فهمنا الإسلامي للدين وهو قمة الطاعة والعبادة، ومن يستطيع القيام به فهذا يكون فضلاً من رب العالمين عليه، وأنه مؤيد بنصر الله تعالى بإذنه تعالى.
الرؤية القرآنية للصراع: فلسفة الإحساس بالمنطق(3)
مصطفى إنشاصي
موضوع الحلقات في الأصل فصل في الكتاب الذي أعددته عام 1985 وللأسف لا يروق للناشرين العمق العقائدي فيه، ولا للفصائل الفلسطينية والمسميات الإسلامية لذلك لم يرى التور للآن؛ بعنوان "التطور التاريخي لفكرة الخلاص اليهودية". وفي عام 2010 كنت أنشر بحثاً منشور في مجلة مُحكمة بعنوان "مركزية القدس و(الهيكل) في الفكر الصهيوني" على حلقات، وأثناء حديثي ليلة 17/8/2010 عبر الانترنت مع صديق عن الموضوع وأن عقيدة المسيح المنتظر اليهودي عقيدة سياسية وليست صوفية تأملية، فإذا به يطرح علي سؤال:
أين هي مركزية القدس في الفكر الإسلامي؟! أجبت: موجودة. فرد معترضاً: لكن ليس كما هي موجودة وحاضرة في الدين اليهودي والتوراة والفكر الصهيوني. فأنت تجدها في التوراة مذكورة بالاسم عشرات المرات، بل قد يكون مئات المرات! وضمنياً نستطيع القول: أنها هي جوهر الدين عندهم، ومدار كل النشاط اليهودي اليومي عبادة وممارسة، وكأنه لا يوجد في التوراة غير القدس و(الهيكل)!
قلت: ذلك صحيح؛ لكن علينا أن نتنبه لحقيقة مهمة لها علاقة بخصائص الإسلام كدين سماوي، واليهودية كديانة بشرية خاضعة لهوى ونزوات واضعيها! فالإسلام كدين إلهي هو منهج حياة شامل يربط الدنيا بالآخرة، والعبادة بالعمل، ورسالة رحمة إلى جميع الناس وليس للعرب أو المسلمين دون غيرهم. في حين أن اليهودية مجموعة من المعتقدات والأخلاق الخاصة بجماعة خليط من البشر، تتمركز وتتمحور حول نفسها، وترتبط ببقعة بعينها من الأرض، احتكرتها لنفسها كما احتكرت إلهها لنفسها من دون كل البشر، وجعلتها هي جوهر ومدار حياتها عبادة وعمل. والإسلام لا يرتبط بأي بقعة من الأرض مهما كانت مكانتها وأهميتها وقداستها الدينية لدى المسلمين كاليهودية، لأنه يهتم بالإنسان وكيفية تحقيق سعادته في الدنيا والآخرة.
قال: لكن حضورهما في الفكر والواقع العملي للمسلمين ليس بالقدر الذي يتناسب وثقلهما في الصراع الدائر بين الأمة وأعدائها، كما هو الحال في التوراة والفكر الصهيوني، نحن كأمة ومثقفين عامة وفصائل وحركات وأحزاب نفتقد في التعامل مع مركزية القدس والأقصى في الصراع إلى فلسفة الإحساس بالمنطق! أريدك أن تكتب عن ذلك. قلت: ولا يهمك تكرم عينك، إن شاء الله سأختم هذه السلسلة من الحلقات بحلقة عن مركزية القدس والأقصى في العقيدة والفكر الإسلامي. وبعد انتهاء حديثنا وجدت لساني يردد "فلسفة الإحساس بالمنطق"؟! ووجدت نفسي تلقائياً أكتبها عنواناً للحلقة الأخيرة، إلى أن يحين وقت كتابتها.
لكن عندما حان وقت الكتابة عن "مركزية القدس والأقصى وفلسفة الإحساس بالمنطق" وجدتني أطرح على نفسي سؤالاً: ماذا أريد أن أقول تحت هذا العنوان الغريب والمعقد الذي لا يوحي بأي علاقة مباشر بين شطريه؟! ووجدت نفسي أُجيب على السؤال الأول بسؤال ثانٍ: كيف لنا أن نجعل من القدس والأقصى القضية المركزية لكل مسلم ليس نظرياً ولا تنظيراً ولا سياسة، لكن عبادة وعمل، فكراً وممارسة، تملكان عليه حياته ليل نهار، إدراكاً منه أنه لا يمكن للأمة الإسلامية أن تنهض من جديد، وأن تستعيد وحدتها الجغرافية والسياسية، وأن تأخذ دور القائد للعالم سياسياً وحضارياً بدون تحريرهما وتدمير العلو والإفساد الإسرائيلي، وتحقيق وعد الآخرة َ{لِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً} (الإسراء:7)؟!
وعندما بدأت أستحضر ما سأكتبه حول تلك الفكرة وجدت أن حلقة واحدة لا تكفي، ولا اثنتين أو ثلاثة، وإن كنت قادراً على اختزال الفكرة في مقالة مستوفاة كمقالة، وقدرت أن تكون عدة حلقات تبرز وتركز فكرة "مركزية القدس والأقصى في حياة المسلم" في هذه المرحلة من مراحل الإسلام وصراعه مع أشد أعدائه، تتوازى مع الحلقات السابقة عن مركزيتهما في الفكر الصهيوني!
فكتبت سنعرض تحت هذا العنوان الأبعاد الدينية والتاريخية للصراع التي جعلت من فلسطين والقدس والمسجد الأقصى تحديداً مركزاً للهجمة اليهودية - الغربية ضد الأمة والوطن ورأس حربتها وطليعتها الكيان الصهيوني الذي هو {أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} (المائدة:82)، وميداناً للصراع بين قوى الخير – المسلمون – وقوى الشر العالمي يقودها اليهود والنصارى الحاقدين على الإسلام وأهله مستثنين منهم البعض المؤمن بفكرة التعايش السلمي والرافض للحرب والعدوان. وكي نستطيع توصيل فكرة العنوان بشكل مستوفى وصحيح إلى حد ما في هذا البُعد بالتحديد.
وقد أضفت للفصل مادة، من ضمنها الحلقتان السابقات وقد نسيت أنني كتبتهما ذلك اليوم، وسأعيد نشرهما ضمن سياق الحلقات، تضع ذلك الفصل في سياق الرؤية الإسلامية للصراع التي ترى أن اليهود هم العدو الأول والرئيس والمركزي للمؤمنين، الذين علينا أن نحذرهم أكثر من غيرهم ونعيد قراءة وفهم وكتابة التاريخ في ضوء أنهم شركاء للشيطان في عداوته للفطرة الإلهية والأخلاق الإنسانية السوية، التي يحاولون تدميرها وفرض قيمهم الشيطانية على العالم أجمع، الذي اضطر راضياً
نصائح للمحللين والكتاب والقراء، ليحلل أو يكتب بوعي والقارئ ليقرأ بوعي..
مصطفى إنشاصي
الغرب الحديث بعد النهضة الأوروبية الحديثة التي كان العامل الرئيس في حدوثها الانشقاق الكبير الذي أحدثه اليهود في الكنيسة الغربية (الكاثوليكية، الفاتيكان) ونشأة المذهب البروتستانتي التوراتي المضمون النصراني ظاهرا، ذلك المذهب هو الذي شكل الغرب الحديث:
دينياً: وضع كل غايات التوراة السياسية والاقتصادية وعقيدة عودة المسيح والسيادة العالمية والألفية السعيدة و... المصاغة في شكل دين موضوع التنفيذ، ورسم أسس الغرب والعالم إلى نهاية الزمن على أسس توراتية، وكل التحولات التي حدثت وتحدث في الغرب من أجل تحقيق وعد حزقيال التوراتي الذي حرف رسالة أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام إلى دين وثني ظاهرة دين ومضمونه سياسة واقتصاد و...
اقتصادياً: نتج عن المذهب البروتستانتي الذي دعا إلى تقديس العمل ورغب وحبب أتباعه في جمع المال وتكديس الثروة بأي وسيلة كانت مشروعة وغير مشروعة لأن ذلك يرضي الرب،إلى نشأة النظام الرأسمالي الذي تطور وحول الدول القومية إلى دول إمبريالية توسعية، والشركات المحلية والدولية إلى شركات عابرة للقارات، ثم قفز قفزة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 إلى عولمة الرأسمالية وأحادية السوق وما أنتجته من قيم وأخلاقيات أصبحت سمة للحضارة الغربيىة المادية الإباحية التي انتهت عام 2018 إلى إكراه العالم على توقيع اتفاثية سيداو المخالفة للفطرة الإلهية والقيم الاجتماعية والأخلاقية الإنسانية السوية...
.الغرب بالنسبة لي طوال تاريخه علماني وثني ملحد يؤله العقل، شئت أم أبيت. الغرب في نظرك نصراني مؤمن أو علماني ملحد لا ديني، أنت في نظره سواء كنت متدين أو علماني ملحد لا ديني، أنت مسلم، وأنه يستهدف فيك الإسلام، وذلك يدركه الكبير والصغير في المؤسسات الغربية الفاعلة، وتؤكده تصريحات كبار وصغار القادة الغربيين سياسيين أو عسكريين أو مفكرين أو رجال دين وغيرهم، وقد عبروا عن ذلك في كل المواطن والمواقف خاصة في حروبهم العسكرية ضد العراق أو افغانستان أو غيرهما...
مؤتمر لندن عام 1905:
كما لا تنسِ أن التحالف اليهودي الغربي الذي وضع المشتركات اليهودية الغربية موضع التنفيذ في وعد بلفور كان نتيجة لـ:
مؤتمر لندن الذي عُقد عام 1905 بعد أن أعلن الفيلسوف الألماني أوزالد شبنجلر المتأثر بنظرية ابن خلدون عن نشوء وسقوط الحضارات نهاية القرن التايع عشر بأن الحضارة الغربية وسيادة الرجل الأبيض غلى زوال، وأنها شارفت على السقوط والانهيار، لأن المجتمعات الغربية تعاني من أسوأ الأسباب التي تؤدي إلى سقوط الدول والحضارات، وهي:
الفراغ الروحي، وانتشار القيم المادية التي أدت إلى تفشي الأمراض الاجتماعية المتنوعة و...
وشاركت فيه ثمانية دول أوروبية هي التي كانت تحتل ثلثي جغرافية العالم، وأرسلت للمؤتمر كبار الاختصاصيين في كل المجالات، دين، سياسة، اقتصاد، تاريخ، جغرافيا، زراعة، بترول، فكر، إعلان... وطلب من المجتمعين الإجابة على السؤال الذي أقلق الغرب بعد إلان الفيلسوف الألماني صرخته عن قرب زوال الحضارة الغربية وسيادة الرجل الأبيض:
كيف نحافظ على استمرار قيادة الرجل الأبيض للعالم، وما هي القوى التي يمكنها أن تهدد الحضارة الغربية الغربية؟
تقرير كامبل بنرمان عام 1907:
انفض المؤتمرون وذهب كلٌ منهم يبحث مجاله ويدرس ويحلل ويستخلص الدروس والعبر و... واجتمعوا بعد سنتان، وكان خلاصة آراءهم:
أن القوة الوحيدة التي تشكل خطراً وجودياً على الحضارة الغربية وتهدد سيادة الرجل الأبيض وهيمنته على العالم، هي: الإسلام! لأنهم المسلمون لديهم الجغرافية الشاسعة الت يتحتوي على كل الثروات وتغنيهم عن غيرهم، تجمعهم لغة واحدة، وتاريخ مشترك واحد، أماني وآمال للتحرر من الاحتلالات الغربية لهم، ونسبة الشباب وصغار السن لديهم هي الأعلى، ولديهم الدين الذي يذيب الفوارق العرقية بينهم ويجمعهم في كيان سياسي واحد، وينتج عنه نموذج حضاري بديل للنموذج الحضاري الغربي وقادر على هزيمته، وإذا ما نهضوا وتوحدوا ستصبح أوروبا في خطر..
التوصيات: والذي عُرف من التوصيات التي صدرت عنه ويجب تنفيذها بأسرع وقت:
يجب زرع قومية على الشواطئ الشرقية والجنوبية للبحر المتوسط، معادية للمسلمين وموالية للغرب، تكون إسفين يفصل جزء الوطن الإسلامي الشرقي عن الجزء الغربي ويحول دون وحدته!
تقسيم الولايات العربية العثمانية إلى دول متفرقة وتنصيب حكومات فيها تكون موالية للغرب!
العمل على منع قيام أي وحدة اندماجية حقيقة في المستقبل بين تلك الدول ويجب أن تبقَ متفرقة، وفي حالة صراع وعداء وتأجيج الخلافات بينها!
الرؤية القرآنية للصراع: الأعداء بعد هبوط آدم من الجنة! (2)
مصطفى إنشاصي
بعد أن عرفنا أن إبليس وسوست له نفسه واستثارت نزعة العنصرية والاستعلاء لديه بأصله العرقي ومنعته من السجود لآدم استكباراً تسبب في لعنته وخروجه من رحمة الله والجنة، نريد أن نعرف بما وسوست نفس آدم له ليصدق إغراءات إبليس له ليأكل من الشجرة ويتسبب في طرده وزوجة من الجنة وهبوطهما إلى الأرض؟!
بعد انتهاء مشهد الحوار مع إبليس قال الله تعالى لآدم وزوجه أن يسكنا الجنة وحذرهما الأكل من شجرة بعينها، قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ {البقرة:35}.
وقال تعالى: ﴿وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ {الأعراف:19}
وفي الوقت نفسه حذرهما بأن إبليس عدو لهما فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى، قال تعالى: ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى. وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾. {طه:117-119}.
لكن آدم لم يصمد أمام الإغراءات وضعف نفسه، قال تعالى:﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ {طه:115}
فما أن وسوس له الشيطان مضللاً ومخادعاً له عن حقيقة تلك الشجرة وزين له بما يهوى وتتوق إليه نفسه، أن يكون ملكاً أو يكون من الخالدين حتى وقع في الخطأ وعصى أمر الله وأكلا من الشجرة، وقال تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى. فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ {طه:120-121}.
قال تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ, فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ {الأعراف:20-22}.
ظلما نفسيهما بالأكل من تلك الشجرة فكان عقوبتهما الهبوط إلى الأرض، وأن تعيش ذريتهما في عداء وصراع فيما بينمهما، قال تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾. {البقرة:36}.
وقال تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ. قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾ {الأعراف:23-24} .
فسارعا في الدعاء راجيا من الله تعالى أن يغفر لهما، قال تعالى: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ {الأعراف:25}
فاستجاب الله دعاء آدم، قال تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾. {البقرة:38}.
واجتباه وهداه وأخبره أنه سيرسل لذريته الرسل يهدونهم إلى طريق الله والصراط المستقيم، فمن تبع هدى الله فقد اهتدى وفاز ونجا، ومن أعرض عن ذكر الله فقد خسر وخاب وهوى، قال تعالى: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى. قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ {طه:122-123}
وكما حذر الله تعالى أبينا آدم من إبليس حذر بني آدم من فتنة الشيطان، قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ {الأعراف:27}.
الرؤية القرآنية للصراع: اليهود هم العدو فاحذرهم! (1)
مصطفى إنشاصي
كثيراً ما انتقد القراءة العلمانية لحقيقة وأبعاد الصراع لأنهم يرون: أن الغرب استغل اليهود لتحقيق مشروعه ضد الأمة والوطن في الوقت الذي الرؤية القرآنية تخبرنا أن اليهود هم العدم المركزي للأمة ولكل قوى الخير والفطرة الإنسانية في العالم وأنهم الذين استغلوا الغرب وكل قوى الشر في العالم لتحقيق أهدافهم التوراتية! عندما يخبرنا رب العالمين أن أشد الناس عداوة لنا هم اليهود؛ لا نقول أن الغرب أو أي طرف آخر استغل اليهود ونجعلهم ضحية استغلال الغرب لقادتهم، واستغلال قادتهم للتوراة لتسخيرهم لخدمة المشروع الغربي ضد وطننا وأمتنا، بل اسأل نفسك كيف هم الأشد عداوة؟ وما هي غاياتهم؟
المسلمون تاريخاً وحاضراً غفلوا عن الغاية من اعطاء الله تعالى لبني إسرائيل واليهود في القصص القرآني كل تلك المساحة الواسعة التي لم يحظى بها غيرهم من الأقوام ولا الإمبراطوريات على قلة حجمهم وتأثيرهم الظاهر في التاريخ والحضارة الإنسانية، على الرغم من أنهم لم يكن لهم تأثير أو فضل على الحضارة الإنسانية بل كان دورهم وعملهم منصب على خراب العالم واختراق المجتمعات وتدميرها عقائدياً وأخلاقياً واجتماعياً واقتصادياً... غاية الخطاب القرآني أن الله تعالى أراد أن يلفت انتباهنا لـ"فهم موقع بني إسرائيل من التاريخ، وعظم دورهم في صناعة أحداثه وتكوينه ومساره، وفي إدراك جسامة آثارهم في وعي البشر وأذهانهم ونفوسهم، وفي حياتهم ومجتمعهم ... إدراك أن نداء الله عز وجل وخطابه لبني إسرائيل، وأن ما يخبرنا به عنهم، هو لهم وفيهم إلى يوم القيامة يفتح آيات القرآن ويفجر ينابيعها، ويجعل ميدان عملها ومجال فهمها وتفسيرها العالم كله والتاريخ بطوله"!
الله تعالى عرفنا أعدائنا
الله تعالى لم يترك بني آدم عامة والمؤمنين وأمته خاصة دون أن يُعرفهم بأعدائهم، فمعرفة الإنسان بأعدائه وترتيبهم حسب الخطورة والأولوية يساعده كثيراً في تفادي شرهم والحفاظ على وجوده حياته خاصة عندما يكون الصراع محتدم بينه وبينهم، والأعداء للإنسان في الحياة الدنيا كثيرين لكننا نختار الأشد عداوة لنتعرف عليهم ونبقى يقظين لمؤامراتهم التي لا تنتهِ.
العدو الأول إبليس (الشيطان):
أخبرنا تعالى أنه عندما خلق آدم أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا جميعاً إلا إبليس أبى استكباراً واستعلاءً، قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ. فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ {ص:71-74}
استكباره واستعلائه على آدم بعرقه جعله من الكافرين، قال تعالى: ﴿وإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ {البقرة:34}.
وهنا لفتة جميلة في الأسلوب القرآني لأهمية الحوار والمعرفة قبل أن تصدر حكمك أو تتخذ موقفك من طرف آخر، فسأل الله تعالى إبليس عن سبب استكباره واستعلائه على السجد لآدم، قال تعالى: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ. قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ {ص:75-76}
وقال تعالى: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ {الأعراف:12}.
(أنا) كانت سبب طرد إبليس من الجنة ومن رحمة الله، سنأتي على كيفية تحويل اليهود تلك الأنا إلى عقيدة دينية وضعية ستكون هي سبب شقاء بني آدم وحروبهم وسفك دماءهم وصراعاتهم. فكان أمر الله رداً على تلك الأنا، خروج إبليس من الجنة، قال تعالى: ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ {الحجر:33-42}.
وقال تعالى: ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾. {الأعراف:13}. الصاغرين الذليلين الحقيرين لا شأن أو قيمة لك فأي إنسان يغضب الله عليه تلك مكانته عند الله، نسأل الله العافية.
فطلب إبليس من الله تعالى أن ينظره، يوجل قبض روحه إلى يوم القيامة، قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾. {ص:79-81}
منذ تلك اللحظة بدأت العداوة والحرب بين إبليس وآدم وذريته من بعده، وبدأت مسيرة الانتقام من آدم الذي كان سبب خروجه من رحمة الله ومن الجنة ومن ذريته، قال تعالى: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ {ص:82-83}
لك احــرفي رتلتها ترتيـــــلا
طوبى لحرف في جنابك قيلا
صلى عليك الشعر حين نصوغه
ويـضــل مما قيل عنــك قليـــــــلا
تقبل الله طاعتكم وجعلنا وإياكم وجميع المسلمين من عتقاءه من النار في هذا الشهر الفضيل...
ثبتنا الله وإياكم وأحسن خاتمتنا بما يرضيه عنا
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السباق قد اشتد والجنة تزينت لمن جد فليكن شعارك في هذه الأيام لن يسبقني إلى الله أحد، لا تتألم لرحيل الشهر المبارك لأنه سيعود لكن الألم أن يعود ونحن قد رحلنا..
ليكن صومنا صوم مودع وقيامنا قيام مودع، مازال في رمضان بقية (بركعة، بدعوة، بدمعة) قد تغير مجرى حياتك كلها فاغتنمها...
ختم الله صيامكم بالقبول وأسكنكم الجنة مع الرسول وجعل عيدكم فرحة وبهجة لا تزول، وكل عام وأنتم بخير
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصدقة من أشرف الأعمال وأفضلها حث الله عليها
قال تعالى: {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}
وقال تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيم}
ما أعظمك ربي وما أكرمك، ترزقنا وتجود علينا وتكرمنا من فضلك،وتطلب منا أن نقرضك منه وهو مالك، وتحتسبه لنا في آخرتنا وتضاعفه لنا.. ما أعظمك ربي سبحانك
اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
خير الصدقات وأفضلها:
قال رسول الله صلّ الله عليه وعلى آله وسلّم:
(أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ، أوْ خَيْرُ الصَّدَقَةِ عن ظَهْرِ غِنًى، والْيَدُ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وابْدَأْ بمَن تَعُولُ)
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّ الله عليه وعلى آله وسلّم قال له:
(ألا أدلُّكَ على أبوابِ الخيرِ؟ قلتُ: بلَى يا رسولَ اللهِ! قال: الصَّومُ جُنَّةٌ، و الصَّدقةُ تُطْفِئُ الخطيئةَ كما يُطْفِئُ الماءُ النَّارَ).
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
تقربوا إلى الله والجنة بالإنفاق:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل).
قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}!
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين