♥️🍃حياة القلوب 🍃♥️
🍀 قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. سورة البقرة: الآية/ 181
بعد أن أمر الله تعالى بالوَصِيَّةِ للْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، ورغَّبَ فيها، وأرشد إلى الاعتدال فيها، وأن تكون بالمعروف بغير ميل ولا ضرر ولا إجحاف، ولما كان هذا الحد الذي رسمه الله تعالى هو أعدل الأمور في الوصية، حَذَّرَ اللهُ تعالى مَنْ أرادَ الوصيةَ أن يحيد عنه إلى غيره، أو أن يبدل حكم الله إلى سواه، فيوصي لِسَادَةِ الْقَبِيلَةِ ويترك الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فيكون ذلك إعراضًا منه عن حكم الله تعالى.
وعلى هذا القول يكون الضمير في قوله: ﴿بَدَّلَهُ﴾، عائدًا على الْحُكْمِ المذكور في الآية السابقة.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله تعالى: ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ﴾، مَنْ سمع الوَصِيَّةَ مِنَ الْمُوصِي سواء كان الْوَصِيُّ بأن يُبَدَّلَ الْوَصِيَّةَ إِمَّا فِي الْكِتَابَةِ وَإِمَّا فِي قِسْمَةِ الْحُقُوقِ، أَوِ الشَّاهِدُ بِأَنْ يُغَيِّرَ الشَهَادَةَ أَوْ يَكْتُمَهَا، أَوْ أي إنسانٍ يمنعُ وصولَ ذَلِكَ الْمَالِ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، وهذا القول أولى وأرجح من الأول لدلالة السياق عليه.
🍄 قال السُّدِّيُّ: فَمَنْ بَدَّلَ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أَوْصَى بِهَا وَكَانَتْ بِمَعْرُوفٍ، فَإِنَّمَا إِثْمُهَا عَلَى مَنْ بَدَّلَهَا أَنَّهُ قَدْ ظَلَمَ. تفسير الطبري (3/ 140)
وعلى القول الثاني يكون الضمير عائدًا على الوَصِيَّةِ، وَلما كَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُؤَنَّثَةً، والضميرُ مذكرٌ، كانت الْوَصِيَّةُ بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ وَدَالَّةٌ عَلَيْهِ، ومثاله قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ... ﴾. سورة الْبَقَرَةِ: الآية/ 275
أَيْ: فَمَنْ جاءَهُ وَعْظٌ مِنْ رَبِّهِ...
وقيل: الضميرُ في قوله: ﴿بَدَّلَهُ﴾، يعودُ عَلَى مَحْذُوفٍ مِنَ الْكَلَامِ دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ، وَهُوَ أَمْرُ الْمَيِّتِ وَإِيصَاؤُهُ.
🍀 ﴿فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ﴾.
﴿إِنَّمَا﴾ أداة حَصْرٍ، وهي تفيد أَنَّ إِثْمَ ذَلِكَ التَّبْدِيلِ لَا يَعُودُ إِلَّا إِلَى الْمُبَدِّلِ، الْمُوصِي لا ينالُهُ من إِثْمَ ذَلِكَ التَّبْدِيلِ شيءٌ.
وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: إِثْمُهُ عَائِدٌ إِلَى التَّبْدِيلِ.
🍀 ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
تذييل الآية بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، فيه وَعِيدٌ شديدٌ لِمَنْ بَدَّلَ الوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَاللَّهُ سبحانه سَمِعَ وَصِيَّةَ الْمُوصِي، وَيَعْلَمُ ما فَعَلَ الْمُبَدِّلُ من تَبْدِيلِ الوَصِيَّةَ.
وأَكَّدَ الكلامَ ب ﴿إِنَّ﴾، لِأَنَّ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى التَّبْدِيلِ، كانَ كَمَنْ يُنْكِرُ أَنَّ اللَّهَ تعالى سَمِعَ وَصِيَّةَ الْمُوصِي، وأنه يَعْلَمُ ما فَعَلَ الْمُبَدِّلُ، فَأَكَّدَ لَهُ الْحُكْمَ تَنْزِيلًا لَهُ منزلَة الْمُنكر لسَمْعِ اللهِ وعِلْمِهِ.
ـ╗══════════🍃🌹🍃═╔
💦 شرح مقدمة في أصول التفسير - ٤ 💦
ـ╝═🍃🌹🍃══════════
ـ╗══════════🍃🌹🍃═╔
💦 شرح مقدمة في أصول التفسير - ٣ 💦
ـ╝═🍃🌹🍃══════════
ـ╗══════════🍃🌹🍃═╔
💦 شرح مقدمة في أصول التفسير - ٢ 💦
ـ╝═🍃🌹🍃══════════
🍀 قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾. سورة البقرة: الآية/ 180
هذا فَرْضٌ فَرَضَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، إذا اقترب من أَحَدَهم الْمَوْتُ، وَحَضَرَته أَسْبَابُه، وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَتْرُكُهُ لِوَرَثَتِهِ، أن يوصي لِوَالِدَيْه وَالْأَقْرَبِينَ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةَ.
🍒 وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنِّي لَتَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيلُ عَلَيَّ لُعَابُهَا فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ». رواه ابن ماجه، بسند صحيح
ومعنى قول الله تعالى: ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾، إِذَا حَضَرَتْ أَسْبَابُهُ، وَإِطْلَاقَ الْمَوْتِ عَلَى أَسْبَابِهِ شَائِعٌ في كلام العرب، قَالَ رُوَيْشِدُ بْنُ كَثِيرٍ الطَّائِيُّ:
وَقُلْ لَهُمْ بَادِرُوا بِالْعَفْوِ والتمسوا * قولا يبرّؤكم إِنِّي أَنَا الْمَوْتُ
🌱 وقوله: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾، الْخَيْرُ هُوَ: الْمَالُ، وَقِيلَ: الْمَالُ الْكَثِيرُ، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾. سورة الْعَادِيَاتِ: الآية/ 8
🍀 ﴿الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾.
وَالْوَصِيَّةُ: طَلَبُ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ عَلَى غَيْبٍ مِنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ. المغرب في ترتيب المعرب (ص: 487)
🍄 قال الأزهري: وسميت الوصية وصية؛ لأن الميت لما أوصى بها وصل ما كان فيه من أيام حياته بما بعده من أيام مماته. المطلع على ألفاظ المقنع (ص: 356)
🍀 قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. سورة البقرة: الآية/ 179
في هذه الآية الكريمة تتجلى الحكمة العظيمة للخالق تبارك وتعالى، في ردع الناس عن البغي، ومنعهم من الظلم، لاسيما القتل، فإن من أراد القتل إذا علم أنه سيقتل قصاصًا، امتنع عن القتل وارتدع عن البغي. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: جَعَلَ اللَّهُ الْقِصَاصَ حَيَاةً، فَكَمْ مِنْ رَجُلٍ يُرِيدُ أَنْ يقتُل، فَتَمْنَعُهُ مَخَافَةَ أَنْ يُقتل.
🍄 قَالَ الرَّبِيعِ: جَعَلَ اللَّهُ هَذَا الْقِصَاصَ حَيَاةً وَعِبْرَةً لَكُمْ، كَمْ مِنْ رَجُلٍ قَدْ هَمَّ بِدَاهِيَةٍ فَمَنَعَهُ مَخَافَةَ الْقِصَاصِ أَنْ يَقَعَ بِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَجَزَ عِبَادَهُ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ بِالْقِصَاصِ.
📌 وتحتمل الآية مَعْنًى آخرَ وهو أن الْقَاتِلَ إذا قتل قِصَاصًا كان ذلك إِبْقَاءً لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْمَقْتُولِ غَيْرُ قَاتِلِهِ فِي حُكْمِ اللَّهِ، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُونَ غَيْرَ القَاتِلِ، فيَقْتُلُونَ بِالْأُنْثَى الذَّكَرَ، وَبِالْعَبْدِ الْحُرِّ، ويترك القاتل طليقًا لا يردعه عن تكرار القتل شيءٌ.
💦 وفي تشريع الله تعالى الْقِصَاصَ رحمة عظيمة بالخلق، إذ لولا القصاص لظلت رحى القتل دائرة بين الناس، ولولا الْقِصَاصُ لظلت جراح بعض الناس من المستضعفين تنزف لأنه يرى قاتل وليه ولا يملك معه شيئًا، وما اندمل جرحه حتى يلقى الله تعالى.
وبهذا يتبين لنا أن الشَّرِيعَةَ أتت بجلبِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَدرءِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا، وأن دين الله تعالى رحمة كله، ومن أجل مظاهر تلك الرحمة تشريع الحدود، وإقامتها بين الناس، إذ لولا الحدود لاستشرى الفساد في الناس، وبهذا يتضح لنا معنى قَولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، خَيْرٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا». رواه أحمد والنسائي وابن ماجه بسند حسن
🍀 قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ............﴾. سورة البقرة: الآية/ 178
🍒 ثبت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا، فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ، قَالَ: فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِهَا رَمَقٌ، فَقَالَ لَهَا: «أَقَتَلَكِ فُلَانٌ؟» فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا الثَّانِيَةَ، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لَا، ثُمَّ سَأَلَهَا الثَّالِثَةَ، فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا، «فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ». رواه البخاري ومسلم
🍀 قوله: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾.
مع شناعة القتل، وبشاعة الجرم، يُذَكِّرُ اللهُ تعالى ولي المقتول والقاتل بما بينهما من آصرة الإيمان، ورابطة الأخوة، وَرغب الله تعالى ولي المقتول في الْعَفْوِ عَنِ الدَّمِ، وَأن يَأْخُذَ الدِّيَةَ، وأمر القاتل أن يؤدي إِلَيْهِ الدِّيَةَ بِإِحْسَانٍ.
🍒 قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْعَمْدُ يَرْضَى أَهْلُهُ بِالدِّيَةِ ﴿فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾، أَمَرَ بِهِ الطَّالِبَ ﴿وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ مِنَ الْمَطْلُوبِ.
ومما يدل على الترغيب في العفو عن القاتل ما ثبت عن عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، أَنَّ أَبَاهُ، حَدَّثَهُ، قَالَ: إِنِّي لَقَاعِدٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسْعَةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا قَتَلَ أَخِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَتَلْتَهُ؟» - فَقَالَ: إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ - قَالَ: نَعَمْ قَتَلْتَهُ، قَالَ: «كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟» قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَهُوَ نَخْتَبِطُ مِنْ شَجَرَةٍ، فَسَبَّنِي، فَأَغْضَبَنِي، فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنِهِ، فَقَتَلْتُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ لَكَ مِنْ شَيْءٍ تُؤَدِّيهِ عَنْ نَفْسِكَ؟» قَالَ: مَا لِي مَالٌ إِلَّا كِسَائِي وَفَأْسِي، قَالَ: «فَتَرَى قَوْمَكَ يَشْتَرُونَكَ؟» قَالَ: أَنَا أَهْوَنُ عَلَى قَوْمِي مِنْ ذَاكَ، فَرَمَى إِلَيْهِ بِنِسْعَتِهِ، وَقَالَ: «دُونَكَ صَاحِبَكَ»، فَانْطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ»، فَرَجَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ: «إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ»، وَأَخَذْتُهُ بِأَمْرِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ بِإِثْمِكَ، وَإِثْمِ صَاحِبِكَ؟» قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ - لَعَلَّهُ قَالَ - بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ ذَاكَ كَذَاكَ»، قَالَ: فَرَمَى بِنِسْعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ. رواه مسلم
🍄 ومعنى قولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ»، أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي أَنَّهُ لَا فَضْلَ له عليه، وَلَا مِنَّةً؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى منه حَقَّهُ.
🍀 قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. الآية/ 178
☀️ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ:
🍄 قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيهِمْ بَغْيٌ وَطَاعَةٌ لِلشَّيْطَانِ، فَكَانَ الْحَيُّ إِذَا كَانَ فِيهِمْ عِدَّةٌ وَمَنَعَةٌ، فَقَتَلَ عَبْدُ قَوْمٍ آخَرِينَ عَبْدًا لَهُمْ، قَالُوا: لَا نَقْتُلُ بِهِ إِلَّا حُرًّا؛ تَعَزُّزًا لِفَضْلِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَإِذَا قُتِلَتْ لَهُمُ امْرَأَةٌ قَتَلَتْهَا امْرَأَةُ قَوْمٍ آخَرِينَ، قَالُوا: لَا نَقْتُلُ بِهَا إِلَّا رَجُلًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ يُخْبِرُهُمْ أَنَّ الْعَبْدَ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى، فَنَهَاهُمْ عَنِ الْبَغْيِ. تفسير الطبري (3/ 96)
هذا نداء من الله تعالى للمؤمنين بامتثال أمره حيث أوجب علينا الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى، ولفظ: ﴿كُتِبَ﴾، أي: فُرِضَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
كُتِبَ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ عَلَيْنَا ... وَعَلَى الْغَانِيَاتِ جَرُّ الذُّيُولِ
وهو من الألفاظ الدالة على الوجوب، والمعنى: فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى.
وليس المراد أن الْقِصَاصَ فَرْضٌ على وَلِيِّ الْقَتِيلِ مِنْ قَاتِلِ وَلِيِّهِ، بل هو مخيرٌ بين الْقِصَاصِ، وَالْعَفْوِ، وَأَخْذِ الدِّيَةِ، وإنما المرادُ ألا يتجاوز الْقَاتِلَ إِلَى غَيْرِهِ، كما كان يفعل أهل الجاهلية، كما ورد في سبب النزول، وكما يفعل بعض الناس اليوم، فيقتل الولي ابن القاتل، ويدع القاتل حرقًا لقلبه، ولا شك أن في ذلك ظلمًا بينًا.
وَالْقِصَاصُ يطلق في اللغة ويراد به تَتَبُّعُ الشَّيْءِ، ومنه قَصُّ الْأَثَرِ.
🍄 قال ابن فارس: (قَصَّ) الْقَافُ وَالصَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَتَبُّعِ الشَّيْءِ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمُ: اقْتَصَصْتُ الْأَثَرَ، إِذَا تَتَبَّعْتُهُ. وَمِنْ ذَلِكَ اشْتِقَاقُ الْقِصَاصِ فِي الْجِرَاحِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ فِعْلِهِ بِالْأَوَّلِ، فَكَأَنَّهُ اقْتَصَّ أَثَرَهُ. مقاييس اللغة (5/ 11)
ويطلق ويراد به الْقَطْعُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: طَائِرٌ مَقْصُوصُ الْجَنَاحِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمِقَصُّ لأنه يُقْطَعُ به.
والمعنيان مطلوبان في تشريع القصاص.
📌 فالأول: وجوب تحري العدل، وتتبعِ القاتلِ دون غيره، فَلَا يُقْتَلُ غَيْرُ الْقَاتِلِ.
📌والثاني: إذا أقيم القصاص على الوجه الذي شرعه الله تعالى، كان في ذلك قطعًا للنزاع، وحقنا للدماء.
🍀 قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. الآية/ 177
تقدم معنا معنى الصبر، وقلنا أنه حبس النفس وهو نقيضُ الجَزَع، ومعنى قوله تعالى هنا: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾، الْحَابِسِين أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ على كل حال، لا سيما حال الشدة.
وقدمنا أن قوله: ﴿وَالصَّابِرِينَ﴾، منْصُوبٌ عَلَى الْمَدْحِ، وإنما خص الله تعالى الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ بالذكر، وذكرهم فِي معرضِ الْمَدْحِ؛ لأن هَذِهِ الْأَحْوَالِ هي أشَدُّ الْأَحْوَالِ التي يتعرض لها العبد.
🍀 وَ﴿الْبَأْسَاءِ﴾، من الْبُؤْس وَهو الْفَقْرُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ «أَمَا الْبَأْسَاءُ فَالْفَقْرُ، وَأَمَّا الضَّرَّاءُ فَالسُّقْمُ». تفسير الطبري (3/ 86)
وَ﴿الضَّرَّاءُ﴾، الْمَرَضُ والسُّقْمُ؛ لقول الله تعالى حكاية عن أَيُّوبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. سورة الأنبياء: الآية/ 83
أي: الْمَرَضُ.
🍀 ﴿وَحِينَ الْبَأْسِ﴾.
أصل الْبَأْسِ الشِدَّةُ، ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾. سورة الأعراف: الآية/ 165
أي: بِعَذَابٍ شَدِيدٍ.
والمعنى: وَالصَّابِرِينَ فِي وَقْتِ الْبَأْسِ، وَهو وَقْتُ شِدَّةِ الْقِتَالِ فِي الْحَرْبِ؛ كما قَالَ الْبَرَاءُ: «كُنَّا وَاللهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». رواه مسلم
قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. الآية/ 177
🍀 قوله تعالى: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا﴾.
بعد أن ذَكَرَ اللهُ تعالى الْبِرَّ فِي الْأَعْمَالِ، انْتِقَلَ إِلَى الحديثِ عن الْبِرِّ فِي الْأَخْلَاقِ، ومن أَهَمِّ أُصُولِ الْبِرِّ فِي الْأَخْلَاقِ، الْوَفَاءُ وَالصَّبْرُ، وَذَكَرَ تعالى الْأَعْمَالَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ، كما قال تعالى: ﴿وَآتَى الْمَالَ﴾، و ﴿وَأَقَامَ الصَّلاةَ﴾، وَ ﴿وَآتَى الزَّكَاةَ﴾، وَذَكَرَ الْأَخْلَاقَ بِصِيغَةِ الْوَصْفِ فقال: ﴿وَالْمُوفُونَ﴾، وَ﴿الصَّابِرِينَ﴾ ; لِأَنَّ الْأَعْمَالَ أَفْعَالٌ، وَالْأَخْلَاقَ صِفَاتٌ.
🌱 والْوَفَاءُ بِالعَهْدِ من خصال الْبِرِّ التي ندبنا الله تعالى إليها، ورغبنا فيها، وأثنى على من اتصف بها.
والْوَفَاءُ في اللغة هو: الإتمام والحفظ.
🍄 قال الراغب: وَفَى بعهده يَفِي وَفَاءً، وأَوْفَى: إذا تمّم العهد ولم ينقض حفظه، واشتقاق ضدّه، وهو الغدر يدلّ على ذلك وهو التّرك. المفردات في غريب القرآن (ص: 878)
🍀 ومن ثناء الله تعالى على الْمُوفِينَ بِالعَهْدِ كذلك قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾. سورة الرَّعْدِ: الآية/ 20
🍀 وأخبر تعالى أنه من جملة الصفات التي يحبها الله تعالى ويحب من اتصف بها؛ لأنها من لوازم التقوى، قال تعالى: ﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾. سورة آل عمران: الآية/ 76
🍀 قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. سورة البقرة: الآية/ 177
بعد أن ذكر الله تعالى أسباب البر وأنها الإيمان بالله تعالى، وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ، وَإيتاء الْمَالِ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ، أخبر الله تعالى أن من أسباب البر كذلك إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فقال تعالى: ﴿وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾.
وَمعنى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، أي: أَدَّاهَا عَلَى أَكْمَلِ هيئة، وَأَقْوَمِ حالٍ، فإن الصلاة هي أعظم أركان الإسلام العملية، وهي رُكْنُ الدينِ الرَّكِينُ، وهي صلة بين العبد وربه، ومن آثَارِهَا النَّهْيُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، والتحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾. سورة الْعَنْكَبُوتِ: الآية/ 45
وهي عصمة للعبد إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ مِنَ الْهَلَعِ وَالْجَزَعِ، وعصمة له كذلك إِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مِنَ الْبُخْلِ وَالْمَنْعِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾. سورة الْمَعَارِجِ: 19- 22
🍀 ﴿وَآتَى الزَّكَاةَ﴾.
أَيْ: أَعْطَاهَا مُسْتَحِقِّيهَا، والمراد بالزَّكَاةِ هنَا الْمَفْرُوضَةُ، لتتميز عن الصدقة المذكورة في قوله تعالى: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ..... ﴾، وقرن الله تعالى بين الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، لأن أداءهما معا يطهر العبد من الأدران التي تصيب النفس البشرية، كالكبر، والبخل، وغيرهما من الصفات القبيحة.
وللزكاة أثر عجيب في تطهير النفس من كثير من الأمراض المهلكة، كالبخل، والشح، والجشع، والظلم، لذلك قال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾. سورة التَّوْبَةِ: الآية/ 103
فجعلها الله تعالى سببا في تطهير النفس وتزكيتها، وهي دليل على إيمان صاحبها؛ فعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ». رواه مسلم
🕌 قال أحد السلف :
لم أرَ خليلاً ، يرفع قدر خليله
كـ #القرآن
مع🎤 #تلاوة_الصباح
📖 سورة.الكهف
👤 القارئ الشيخ/ #محمد_صديق_المنشاوي
#آخر_آية_نزلت_في_القرآن
وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ...
#مع_شيخ_القُراء
#عبد_الباسط_عبد_الصمد
#_من_سورة_البقرة
ارح.سمعك.cc
قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. سورة البقرة: الآية/ 177
قوله: ﴿وَالْمَسَاكِينَ﴾.
وَالْمَسَاكِينُ جمعُ مِسْكِينٍ وهو الْفَقِيرُ الَّذِي أَذَلَّهُ الْفَقْرُ، وسمي مسكينًا؛ لأن الْفَقْرَ قَدْ سَكَنَهُ، وَهُوَ أَقَلُّ فَقْرًا مِنَ الْفَقِيرِ؛ لقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾. سورة الْكَهْفِ: الآية/ 79
سماهم مَسَاكِينَ مَعَ أَنَّ السَّفِينَةَ كَانَتْ مِلْكًا لَهُمْ، وَقِيلَ هُوَ أَشَدُّ فَقْرًا مِنَ الْفَقِيرِ؛ لقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ﴾. سورة الْبَلَدِ: الآية/ 16
والراجح أنه أَقَلُّ فَقْرًا مِنَ الْفَقِيرِ بدلالة الآية.
والْمَسَاكِينُ هم الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَكْفِيهِمْ فِي قُوتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَسُكْنَاهُمْ، فَيُعْطُونَ مَا تُسَدُّ بِهِ حَاجَتُهُمْ وَخَلَّتُهُمْ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنِ المِسْكِينُ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ، فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ». رواه البخاري ومسلم
﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾.
ابْنَ السَّبِيلِ هو الْمُسَافِرُ الذِي نِفِدَ ماله، وانتهت نَفَقَتُهُ فَيُعْطَى مَا يُوصِلُهُ إِلَى بَلَدِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الضَّيْفُ الذِي يَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ الْمُسَافِرُ، وهو راجع لقول ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقال قَتَادَةَ: هُو الضَّيْفُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَصَلَ إِلَيْكَ مِنَ السَّبِيلِ، وَالراجح الْأَوَّلُ؛ لأن السَّبِيلَ هو الطَّرِيقُ، وَجُعِلَ الْمُسَافِرُ ابْنًا لَهُ لِلُزُومِهِ إِيَّاهُ.
(فأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ . مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ)
غاية الابداع والامتاع مع
#شيخ_القُراء
#عبد_الباسط_عبد_الصمد
#لايات_من_سورة_النجم
ارح.سمعك.مع.كلام.الله.بصوت.خيالي.cc
ـ╗══════════🍃🌹🍃═╔
💦 شرح مقدمة في أصول التفسير - ٥ 💦
ـ╝═🍃🌹🍃══════════
🍀 قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾. سورة البقرة: الآية/ 180
🍀 قال الْحَسَنُ رحمه الله فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾، قَالَ: كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَنُسخ مِنْ ذَلِكَ: لِلْوَالِدَيْنِ، وَأُثْبِتَ لَهُمَا نَصِيبُهُمَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، ونُسخ مِنَ الْأَقْرَبِينَ كلُّ وَارِثٍ ، وَبَقِيَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْأَقْرَبِينَ الَّذِينَ لَا يرثون. رواه سعيد بن منصور
وَخَصَّ اللهُ تَعَالَى الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بالوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ مَظِنَّةُ النِّسْيَانِ مِنَ الْمُوصِي، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الْأَوْلَادَ أَوْ يُوصُونَ لِسَادَةِ الْقَبِيلَةِ.
وَقَدَّمَ اللهُ تَعَالَى الْوَالِدَيْنِ على الْأَقْرَبِينَ لأَنَّهُمَا أعظم حقًا من غيرهما، وألصق بالميت من غيرهما، فكانوا أولى بِالْوَصِيَّةِ من سائر الْأَقْرَبِينَ.
🍀 ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾.
الْمَعْرُوفُ هو الْأمرُ الَّذِي اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ النُّفُوس بِشَهَادَة الْعُقُول السليمةُ، وَتَلَقَّتْهُ الطبائع بِالْقبُولِ، وأقَرَّتهُ الفِطَرُ السَّويَةُ المستقيمةُ، وسُمِّيَ مَعْرُوفًا لِكَثْرَةِ تَدَاوُلِهِ بَيْنَ النَّاسِ.
وَضِدُّهُ الْمُنْكَرَ وَهو ما تُنْكِرُهُ النُّفُوسُ السَّويَةُ، وَتَأْبَاهُ الْعُقُولُ السليمة.
والمراد بِالْمَعْرُوفِ هنا أَنْ يَسْلُكَ المؤمنُ في الوصيةِ الطَّرِيقَةَ الْجَمِيلَةَ المرضية، فَإِذَا فَاضَلَ بَيْنَهُمْ، فَبِالْمَعْرُوفِ بغير إضرار، أو إجحاف.
🍀 ﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾.
خَصَّ اللهُ عز وجل الْمُتَّقِينَ بِالذِّكْرِ، وإن كانت الوصية واجبة على الْمُتَّقِينَ، وغير الْمُتَّقِينَ؛ لِيَتَبَارَى النَّاسُ إِلَى تحقيق تلك الصفة الكريمة، وتجود نفوسهم بالوصية، لتحقيق تلك الرتبة المنيفة، والمنزلة الشريفة.
💦 وفي الآية من الأساليب البلاغية، التَوْكِيدُ في قوله: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾، فَإن قَوْلَهُ: ﴿حَقًّا﴾ مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ، والغايةُ منه زِيَادَةُ تَوْكِيدِ وُجُوبِ الوصية، لزيادة الاعتناء بها.
للإشتراك في لستات ترياق العقول الصباحية التواصل على @Engineer1 لتعين بوت الصباحية الفترة (من 10صباحا الى 3ظهرا) ✅
Читать полностью…ـ╗══════════🍃🌹🍃═╔
💦 شرح مقدمة في أصول التفسير - ١ 💦
ـ╝═🍃🌹🍃══════════
🍀 قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. سورة البقرة: الآية/ 179
💦 كان أهل الجاهلية يَقُولُونَ: (الْقَتْلُ أَوْقَى لِلْقَتْلِ)، ويعدون هذه الجملة من أبلغ كلامهم، فلما نزل قول الله تعالى: ﴿الْقِصَاص حَيَاةٌ﴾، تبين الفارق العظيم بين الجملتين، واتضح البون الساشع بين العبارتين، فإن لفظ القرآن أوجز، وفيه ردع للقاتل، وَحَيَاةٌ آمنةٌ للأمة، فإنَّ التَّنْكِيرَ فِي لفظِ: ﴿حَياةٌ﴾، لِلتَّعْظِيمِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ؛ لأن القصاص سبب الأمن من الظلم والعدوان، وفيه أيضًا إقامة للعدل، ورحمة لأولياء القتيل بشفاء صدورهم، ورحمة لأولياء القتيل بمنع قتل غير القاتل منهم، بخلاف قولهم (الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ)، الذي لا يدل إلا على الردع للقاتل، ويخلو من سائر هذه المعاني.
🌿 وتقديم الجار والمجرور في قوله: ﴿وَلَكُمْ﴾، للاختصاص، فإن الحياة الوادعة الهانئة الآمنة إنما يختص بها أهل الإيمان إذا طبقوا شرع الله، وأقاموا حدوده، وعملوا بأحكامه، وإذا فرط الناس في شيء من أحكام دينهم فلهم من ضنك العيش، وعدم الأمن بقدر تفريطهم في دينهم.
🍀 ﴿يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.
خاطب الله تعالى أُولِي الْأَلْبابِ هنا تَنْبِيهٌ لهم عَلَى الحِكْمَةِ من الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ حِكْمَةَ الْقِصَاصِ لَا يُدْرِكُهَا إِلَّا أصحابُ الْعُقُولِ السليمةِ، والفطر السوية المستقيمة، لا كما يدندن أعداء الإسلام، وأذنابهم من أنَّ الْقِصَاصَ جِنَايَةٌ، وجريمةٌ.
🍀 ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
في تذييل الآية بقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، بيان للعلة من القصاص، وهي اتقاء القتل، أي: لتَتَّقُوا سفك الدماء المحرمة، وإزهاق النفوس المعصومة، وَلتَتَّقُوا فَلَا تَتَجَاوَزُوا الحَدَّ فِي الأَخْذِ بالثَّأْرِ.
🍀 قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. سورة البقرة: الآية/ 178
🍀 قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾.
ثم أخبر الله تعالى عن العلة التي من أجلها شَرَعَ لأولياء القتيل أَخْذَ الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ، وهي تَخْفِيفُ اللَّهِ عَلَى العباد، وَرَحْمَتُه تعالى بِهمْ.
💦 وفي جواز أخذ الدية في القتل العمد، رفعٌ للإصر والأغلال التي جعلها الله تعالى على من كان قبلنا، فعَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " كَانَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قِصَاصٌ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ، فَقَالَ اللَّهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى﴾، إِلَى قوله: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَالعَفْوُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي العَمْدِ» قَالَ: ﴿فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾، «أَنْ يَطْلُبَ بِمَعْرُوفٍ وَيُؤَدِّيَ بِإِحْسَانٍ». رواه البخاري
وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ رَحِمَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَأَطْعَمَهُمُ الدِّيَةَ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلَهُمْ، فَكَانَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ إِنَّمَا هُوَ الْقِصَاصُ وَعَفْوٌ لَيْسَ بَيْنَهُمْ أَرْشٌ، وَكَانَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ إِنَّمَا هُوَ عَفْوٌ أُمِرُوا بِهِ، وَجَعَلَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْقِصَاصَ وَالْعَفْوَ وَالْأَرْشَ.
🍀 ﴿فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
هذا تهديد شديد، ووعيد من الله تعالى لمن قتل بعد أخذ الدية، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أُعْفِيَ مَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ». رواه أحمد وأبو داود
✨ ومعنى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا أُعْفِيَ مَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ»، أي: لَا أَقْبَلُ مِنْهُ الدِّيَةَ بَلْ أَقْتُلُهُ قصاصًا جزاء اعتدائه.
🍀 قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. سورة البقرة: الآية/ 178
تكلمنا قبل ذلك عن سبب نزول الآية، وعلى معنى القصاص، وهذه الآية واحدة من جملة آيات أنزلها الله تعالى لإصَلَاحِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ، وَضبطِ نِظَامِهِ، وَاسْتِتْبَابِ أَمْنِهِ، وَابْتَدَأَ بِهذه الآية التي تبين أَحْكَامَ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ حِفْظَ النُفُوسِ أَعْظَمَ مقاصد الشريعة بعد حفظ الدين، واخْتِلَالُ هذا الأمر، اخْتِلَالُ لنظام الْأُمَّةِ بأسرها.
💎 وَالحِكْمَةُ من تشريعِ الْقِصَاصِ هي رَدْعُ من تسول له نفسه الْإِقْدَامَ عَلَى القَتْلِ فإِذَا عَلِمُوا أَنَّ جَزَاءَهُ سيكون الْقَتْلُ، منعه ذلك من مجرد التفكير في القتل؛ لذلك قال الله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. سورة البقرة: الآية/ 179
وما تجرأ الناس على سفك الدماء المعصومة، وإزهاق الأرواح بغير حق إلا عندما تهاون الحكام في تطبيق شرع الله تعالى، ولا يُعلم سببٌ لانتشار الجرائم بين الناس، مثل ضعف العقوبات التي استبدلها الناس بأحكام الشرع في كثير من البلدان.
🍀 ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى﴾.
قدمنا أن معنى قوله تعالى: ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى﴾، هو النهيُ عَنِ الْبَغْيِ، وأنه لا يجوز أن يُقْتَلَ غَيْرُ الْقَاتِلِ سواءً كان المقتولُ شَرِيفًا أو وضيعًا، حرًا أو عبدًا، ذكرًا أو انثى.
⚡️ وقيل هذه الآية مَنْسُوخَةٌ، نَسَخَتْهَا آية الْمَائِدَةِ، وهي قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأنْفَ بِالأنْفِ وَالأذُنَ بِالأذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾. سورة الْمَائِدَةِ: الآية/ 45
📌 وقيل: جَاءَتِ الْآيَةُ مُبَيِّنَةً لِحُكْمِ النَّوْعِ إِذَا قَتَلَ نَوْعَهُ، فَبَيَّنَتْ حُكْمَ الْحُرِّ إِذَا قَتَلَ حُرًّا، وَالْعَبْدُ إِذَا قَتَلَ عَبْدًا، وَالْأُنْثَى إِذَا قَتَلَتْ أُنْثَى، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ إِذَا قَتَلَ الْآخَرَ.
💦 فَالْآيَةُ مُحْكَمَةٌ وَفِيهَا إِجْمَالٌ يُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾. سورة الْمَائِدَةِ: الآية/ 45
وَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُنَّتِهِ لَمَّا قُتِلَ الْيَهُودِيُّ بِالْمَرْأَةِ. تفسير القرطبي (2/ 246)
☀️ والراجح أن الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ ولكنها مجملة وقد فصلت السنة ما فيها من إجمال، فمن ذلك ما ثبت عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الوَحْيِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لاَ وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي القُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ»، قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: «العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ». رواه البخاري
🍀 قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. الآية/ 177
🍀 قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾.
هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وصفهم الله تعالى بالصِّفَاتِ السالفةِ الذكرِ، هُمُ الَّذِينَ صَدَقوا فِي إِيمَانِهِمْ، ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾؛ لِأَنَّهُمُ اتَّقَوُا سخط الله تعالى، وَاتَّقَوُا النَّارَ، بفَعَلِ الطَّاعَاتِ، واجتناب المحرماتِ؛ ولأنهم جمعوا أُصُولَ الْبِرِّ فِي الْأَعْمَالِ، أُصُولَ الْبِرِّ فِي الْأَخْلَاقِ.
🍄 قال القرطبي: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذِهِ آيَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ أُمَّهَاتِ الْأَحْكَامِ، لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ سِتَّ عَشْرَةَ قَاعِدَةً: الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَالنَّشْرَ وَالْحَشْرَ وَالْمِيزَانَ وَالصِّرَاطَ وَالْحَوْضَ وَالشَّفَاعَةَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَالْمَلَائِكَةَ وَالْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ وَأَنَّهَا حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالنَّبِيِّينَ، وَإِنْفَاقَ الْمَالِ فِيمَا يَعِنُّ مِنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ، وَإِيصَالَ الْقَرَابَةِ وَتَرْكَ قَطْعِهِمْ، وَتَفَقُّدَ الْيَتِيمِ وَعَدَمَ إِهْمَالِهِ، وَالْمَسَاكِينُ كَذَلِكَ، وَمُرَاعَاةَ ابْنِ السَّبِيلِ، وَالسُّؤَالَ، وَفَكَّ الرِّقَابِ، وَالْمُحَافَظَةَ عَلَى الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْوَفَاءَ بِالْعُهُودِ، وَالصَّبْرَ فِي الشَّدَائِدِ. وَكُلُّ قَاعِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ تَحْتَاجُ إِلَى كِتَابٍ. تفسير القرطبي (2/ 241)
🍀 قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. الآية/ 177
💦 ضمن الله تعالى الأجر العظيم لمن مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ، ولم يضيعه ولم يغدر فقال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾. سورة الْبَقَرَةِ: الآية/ 40
🍒 وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسٍ: «تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ». رواه البخاري ومسلم
🍒 وحذر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الإتصاف بضد الوفاء، وأخبر أن ذلك من صفات المنافقين؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ». رواه البخاري ومسلم
🍀 وقوله تعالى: ﴿إِذَا عَاهَدُوا﴾، يَعْنِي: فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ.
⚡️ ونقضُ الْعُهُودِ من أعظم أسباب الهلاك، لأنه سبب العداوةِ والبغضاءِ الحَسَدِ وَالشحناء، وفقد الثقة، وفقد الأمن؛ لذلك توعد الله تعالى من بذلك باللعن والعذاب في الآخرة، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾. سورة الرَّعْدِ: الآية/ 25
🍀 قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. الآية/ 177
تكلمنا قبل ذلك عن جملة من الصفات التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية، والتي هي من صفات الأبرار، ومن علامات البر المذكورة في هذه الآية.
💦 ومن صفات الأبرار الوفاء بالعهد، كما قال تعالى: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا﴾.
وقبل أن نتكلم عن الوفاء بالعهد، ما المرادبه، وما منزلته في دين الله، وخطر الاتصاف بضد الوفاء، نقول: ما سبب رفع لفظ: ﴿وَالْمُوفُونَ﴾، من قوله تعالى: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا﴾، مع نصب ما بعده، وهو قوله تعالى: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾؟
والجواب أن لرَفْعِ: ﴿وَالْمُوفُونَ﴾، احتمالان:
📌 الأول: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحَلِّ ﴿مَنْ آمَنَ﴾، في أول الآية، ويكون تَقْدِيرُ الكلام: (لَكِنَّ الْبِرَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُوفُونَ)، وروي هذا عَنِ الْفَرَّاءِ وَالْأَخْفَشِ.
📌 الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هُمُ الْمُوفُونَ.
ويكون لفظ ﴿الصَّابِرِينَ﴾، من قوله تعالى: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾، منْصُوبٌ عَلَى الْمَدْحِ، وَالْعَرَبُ تَنْصِبُ عَلَى الْمَدْحِ وَعَلَى الذَّمِّ.
🍏 ومثال النَّصْبِ عَلَى الْمَدْحِ في القرآن لفظ: ﴿الْمُقِيمِينَ﴾، من قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾. سورة النساء: الآية/ 162
🍏 ومثاله في لغة العرب، قول الشاعر:
وَكُلُّ قَوْمٍ أَطَاعُوا أَمْرَ مُرْشِدِهِمْ * إِلَّا نُمَيْرًا أَطَاعَتْ أَمْرَ غَاوِيهَا
الظَّاعِنِينَ وَلَمَّا يُظْعِنُوا أَحَدًا * وَالْقَائِلُونَ لِمَنْ دَارٌ نُخَلِّيهَا
🍏 ومثالُ النَّصْبِ عَلَى الذَّمِّ في القرآن قَوْلُهُ تعالى: ﴿مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا﴾. سورة الأحزاب: الآية/ 61
🍏 ومثاله في لغة العرب، قول خرنق بنت عفان:
لَا يَبْعَدْنَ قَوْمِي الَّذِينَ هُمْ * سُمُّ الْعُدَاةِ وَآفَةُ الْجُزْرِ
النَّازِلِينَ بِكُلِ مُعْتَرَكٍ * وَالطَّيِّبُونَ مَعَاقِدَ الْأُزْرِ
🍀 قَالَ تَعَالَى: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. سورة البقرة: الآية/ 177
🍀 قوله: ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾.
هُمُ: الْمُكَاتَبُونَ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُؤَدُّونَهُ فِي كِتَابَتِهِمْ، وقيل: فِدَاءُ الْأَسْرَى، وَقيلَ: عِتْقُ الْعَبِيدِ، ولا مانع أن يشمل لفظ الرِّقَابِ جمع ما ذكر.
🍀 وقوله: ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾، أي: فِي فَكِّ الرِّقَابِ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ رِقَابًا ثُمَّ يُعْتِقَهَا، أو فِي إِعَانَةِ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ، أو في فِدَاءِ الْأَسْرَى من ذل الأسر والاسترقاق، ففي الآية إيجاز بالحذف.
وَأُخِّرَ فَكُّ الرِّقَابِ لِأَنَّ حَاجَتَهُ دُونَ حَاجَةِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وليس لأن فَكَّ الرِّقَابِ دون ما سبقها في الأجر، فقد أخبر الله تعالى عن فضل العتق بأنه من أعظم أسباب النجاة من النار، فقال: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ﴾. سورة الْبَلَدِ: الآية/ 11- 13
🍒 وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ». رواه البخاري ومسلم
🍒 وفي رواية لأحمد: فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ لسَعِيدِ ابْنِ مَرْجَانَةَ: "أأَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ "فَقَالَ سَعِيدٌ: نَعَمْ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ لِغُلَامٍ لَهُ أَفْرَهَ غِلْمَانِهِ: "ادْعُ لِي مُطَرِّفًا" ، قَالَ: فَلَمَّا قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: " اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ". رواه أحمد بسند صحيح
🍀 قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. سورة البقرة: الآية/ 177
تكلمنا عن جملة من أعمال البر ومنها إيتاء المال ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ، ومن تلك المصارف كذلك إيتاء المال السَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ كما أخبر الله تعالى في الآية.
🍀 ﴿وَالسَّائِلِينَ﴾.
هُمُ الْفُقَرَاءُ الَّذِينَ يَتَعَرَّضُونَ لِلطَّلَبِ من الناس، وكَنَّى عَنْهُمْ بِالسَّائِلِينَ لِأَنَّ الْمَرْءَ تمنعه نَفْسُهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ غَالِبًا، فَالسُّؤَالُ عَلَامَةُ الْحَاجَةِ غَالِبًا.
وأخر الله تعالى ذكرهم عن الأصناف السابقة، لِأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ لغير حَاجَةِ، وَلِأَنَّ حَاجَتَهُ دُونَ حَاجَةِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
واثنى الله تعالى على المؤمنين بالصدقة عليهم مع احتمال غناهم بقوله: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾. سورة الْمَعَارِجِ: الآية/ 24، 25
🍒 وروي عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ». رواه أحمد وأبو داود بسند ضعيف
🍀 قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. سورة البقرة: الآية/ 177
قوله: ﴿وَالْمَسَاكِينَ﴾.
💦 وَالْمَسَاكِينُ جمعُ مِسْكِينٍ وهو الْفَقِيرُ الَّذِي أَذَلَّهُ الْفَقْرُ، وسمي مسكينًا؛ لأن الْفَقْرَ قَدْ سَكَنَهُ، وَهُوَ أَقَلُّ فَقْرًا مِنَ الْفَقِيرِ؛ لقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾. سورة الْكَهْفِ: الآية/ 79
سماهم مَسَاكِينَ مَعَ أَنَّ السَّفِينَةَ كَانَتْ مِلْكًا لَهُمْ، وَقِيلَ هُوَ أَشَدُّ فَقْرًا مِنَ الْفَقِيرِ؛ لقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ﴾. سورة الْبَلَدِ: الآية/ 16
🍄 والراجح أنه أَقَلُّ فَقْرًا مِنَ الْفَقِيرِ بدلالة الآية.
🌿 والْمَسَاكِينُ هم الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَكْفِيهِمْ فِي قُوتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَسُكْنَاهُمْ، فَيُعْطُونَ مَا تُسَدُّ بِهِ حَاجَتُهُمْ وَخَلَّتُهُمْ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنِ المِسْكِينُ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ، فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ». رواه البخاري ومسلم
🍀 ﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾.
ابْنَ السَّبِيلِ هو الْمُسَافِرُ الذِي نِفِدَ ماله، وانتهت نَفَقَتُهُ فَيُعْطَى مَا يُوصِلُهُ إِلَى بَلَدِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الضَّيْفُ الذِي يَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ الْمُسَافِرُ، وهو راجع لقول ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقال قَتَادَةَ: هُو الضَّيْفُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَصَلَ إِلَيْكَ مِنَ السَّبِيلِ، وَالراجح الْأَوَّلُ؛ لأن السَّبِيلَ هو الطَّرِيقُ، وَجُعِلَ الْمُسَافِرُ ابْنًا لَهُ لِلُزُومِهِ إِيَّاهُ.
🍀 قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. سورة البقرة: الآية/ 177
☀️ لما ذكر الله تعالى أن من الْبِرِّ أَنْ يتصدقَ بالْمَالِ، وَهُوَ لَهُ مُحب، وعلى جمعه حريص، يأمل الغنى ويخشى الفقر، بين الله تعالى عدة مصارف لبذل المال، هي أفضل وجوه الخير التي يبذل فيها المال، فقال تعالى: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ﴾.
وتكلمنا عن المصرف الأول من مصارف الصدقات وهو إيتاء المال لذَوِي الْقُرْبَى، وقلنا أن الله تعالى قدم ذَوِي الْقُرْبَى على غيرهم لأنهم أولى بالنفقة، والصدقة عليهم اثنتان صدقة وصلة.
🍀 ﴿وَالْيَتَامَى﴾.
وَالْيَتَامَى هُمُ: الصِّغَارُ الَّذِينَ مات آباؤهم فلَا كَاسِبَ لَهُمْ مِنَ الْآبَاءِ، فإذا بلغ الواحد منهم فلا يسمى يتيمًا؛ لما ثبت عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ». رواه أبو داود بسند صحيح
🍁 وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْيَتِيمُ فِي بَنِي آدَمَ مَنْ فقدَ أَبَاه، وَفِي الْبَهَائِمِ مَنْ فقد الْأُمَّ، وفي الطير من فقدهما معًا.
✨ وقدم الله تعالى الْيَتَامَى على الْمَسَاكِين وَابْنِ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ لأن اليتم مَظِنَّةُ الضَّعْفِ، وهم عن الكسب أشد عجزًا من غيرهم، وحاجتهم إلى المواساة أكثر من غيرهم حتى مع عدم الفقر.
🍀 قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾. سورة البقرة: الآية/ 177
🍀 ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى﴾.
ومن الْبِرِّ أَنْ يتصدقَ بالْمَالِ، وَهُوَ لَهُ مُحب، وفِيهِ رَاغِبٌ، وعليه حريصٌ، هذه أَفْضَلُ حالِ للصَّدَقَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾. سورة آلِ عِمْرَانَ: الآية/ 92
وكما ثبت عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ». رواه البخاري ومسلم
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾، الصَّدَقَةُ المطلقةُ ولَيْسَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، حتى لا يكون في الكلام تكرار؛ فإن الزكاة سيأتي ذكرها.
ومعنى: ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾، أي: عَلَى حُبِّ الْمُعْطِي لِلْمَالِ، وقوله: ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾، اعْتِرَاضٌ بَلِيغٌ فائدته الثناء على المعطي بسخاء نفسه، حيث بذل ما هو محبوبٌ لنفسه.
وَذَوُو الْقُرْبَى هُمْ: أَقَارِبُ الْمُعْطِي، وَقَدَّمَ الله تَعَالَى ذَوِي الْقُرْبَى لِأَنَّهم أَوْلَى بِالصَّدَقَةِ مِنْ غَيْرِهِم، ولِأَنَّ الْفَقِيرَ إِذَا كَانَ قَرِيبًا كانت الصَّدَقَةُ عليه صِلَةُ وَصَدَقَةُ، وَكلما كَانَ أَقْرَبَ رَحِمًا كَانَ حَقُّهُ آكَدَ وَصِلَتُهُ أَفْضَلَ.
🍒 ومما يدل على فضل الصدقة على ذَوِي الْقُرْبَى ما رواه أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ،
وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ،
قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:
﴿لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾
[آل عمران: 92]
قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: 92]
وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ،
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ»
فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. رواه البخاري ومسلم
🍒 وَعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ». رواه أحمد بسند صحيح